تردي الأوضاع الاقتصادية..

تقرير: هل يستطيع أردوغان إعادة الخلافة العثمانية في تركيا

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

أنقرة

بعد سنوات من الحديث عن الطفرة الاقتصادية التركية وإنجازات الرئيس أردوغان؛ جاء الإعلان عن النتائج الاقتصادية مخيبًا لآمال حزب الرئيس أردوغان (حزب العدالة والتنمية)، وبمثابة صفعة مدوية للرئيس الحالم بعودة الخلافة العثمانية؛ فقُبيل أيام من الانتخابات البلدية التي ستنطلق في الثلاثين من الشهر الجاري، والتي تعد في غاية الأهمية للرئيس التركي وحزبه، تم الإعلان رسميًّا عن دخول الاقتصاد التركي نفق الركود، وذلك لأول مرة منذ عقد.

ويعني مصطلح الركود: تسجيل أداء اقتصاد دولة ما نموًّا سلبيًّا خلال رُبعَين متتاليين، وقد أظهرت البيانات الرسمية الحكومية لمعهد الإحصاء التركي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي التركي بنسبة 2.4% في الربع الأخير من عام 2018، سبقه تسجيل نمو سلبي بنسبة 1.6% في الربع الثالث من العام نفسه، وهو انكماش أكثر حدة من معظم التوقعات. وذلك في الوقت الذي لا يزال فيه الاقتصاد التركي يعاني تداعيات انهيار العملة في العام الماضي، حين فقدت الليرة التركية 30% من قيمتها؛ ويتوقع المستثمرون بقاء العملة التركية في قائمة أكثر عملات العالم من حيث عدم الاستقرار؛ وهو ما أدى إلى نشوء موجة تضخمية رفعت التضخم إلى معدلات تدور حول 20%، وقد بلغ ذروته في أكتوبر 2018 مسجلًا 25.3%. وارتفعت أسعار الأغذية بنحو 30%؛ ما دفع بحزب العدالة والتنمية إلى القيام بافتتاح نقاط بيع للخضراوات والفاكهة بأسعار مخفضة؛ لتهدئة الأسواق والتخفيف من سخط المواطنين قبيل الانتخابات البلدية.

كما يعاني الاقتصاد التركي اختلالات كبيرة؛ إذ إن تردي الأوضاع الاقتصادية لم يتسبب في ارتفاع الأسعار بصفة عامة وأسعار السلع الغذائية بصفة خاصة، بل رفع معدلات البطالة إلى 13.5%، وهو أعلى معدل سُجل منذ عام 2010، ويرتفع معدل البطالة بين الشباب في الفئة العمرية (15 -24) إلى 24.9%. وبالتالي فإن الاقتصاد التركي يعاني ظاهرة مزدوجة تُعرف بـ(الانكماش التضخمي)؛ وهي حالة نمو اقتصادي ضعيف وبطالة عالية، أي ركود اقتصادي يرافقه تضخم، وتحدث عندما لا يكون هناك نمو في الاقتصاد ولكن يكون هناك ارتفاع في الأسعار، ولا يبدو انتهاء الأزمة مسألة قريبة.

وبنهاية عام 2018، بلغ الدين الحكومي الخارجي نحو 118 مليار دولار، ويعد في غالبه ديونًا قصيرة الأجل تستحق السداد خلال 12 شهرًا. كما كانت شركات القطاع الخاص التركي مدينة بأكثر من 250 مليار دولار من الديون الخارجية؛ أي نحو ثُلث حجم اقتصاد البلاد، في وقت تزايدت فيه وتيرة حالات إشهار الإفلاس للشركات التركية الخاصة؛ بسبب انكشافها على الديون الخارجية، وارتفاع عبء الدين بالعملة الأجنبية، النابع من انخفاض قيمة الليرة مقابل زيادة أسعار فوائدها؛ إذ أبقى البنك المركزي التركي سعر الفائدة على حاله عند نسبة 24% في اجتماع لجنة السياسة النقدية أوائل الشهر الجاري. كما تعاني البنوك التركية أزمة شديدة حاليَّا؛ بسبب تعثُّر الشركات في سداد القروض التي حصلت عليها من البنوك في فترات النمو الاقتصادي السريع للبلاد. وفي هذا الصدد تتوقع وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” أن نسبة تعثر الشركات عن السداد سترفع نسبة الديون المعدومة في ميزانيات البنوك إلى مستوى يراوح بين 15% –20%، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة مالية في تركيا.

وبلغ عجز ميزان المعاملات الجارية لتركيا، وهو يقيس الفرق بين الصادرات والواردات من بضائع والخدمات بالإضافة إلى الفرق بين التدفقات المالية من وإلى الاقتصاد، نحو 27.633 مليار دولار. كما يعاني الحساب الجاري ارتفاع العجز؛ بسبب النمو الائتماني السريع الذي أدَّى إلى ارتفاع الواردات، ومن المتوقع أن تعاني الصادرات التركية في عام 2019 بشكل أشد وبخاصة للولايات المتحدة الأمريكية؛ بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذا الشهر، الذي ينهي المعاملة التفضيلية لتركيا، أي نظام الأفضليات المعمم (GSP)، بإزالة تركيا من قائمة الدول التي تتمتع بحرية الوصول إلى السوق الأمريكية، وقد سبق فرض رسوم على صادرات تركيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية من الصلب بنسبة 50%، ومن الألومنيوم بنسبة 20% منذ أغسطس 2018 بدواعي الأمن القومي الأمريكي.

وفي الوقت ذاته، تعاني الميزانية عجزًا؛ بسبب الإنفاق الحكومي المفرط، والذي يُوجَّه جزء منه لدعم الجماعات الإسلامية والإرهابية خارج تركيا، والإنفاق على تحقيق حلم الإمبراطورية العثمانية وأطماعه التوسعية ورغبته في فرض السيطرة والهيمنة الذي يراود أردوغان ويجعله يتدخل في سياسات دول الجوار الإقليمي، ويدعم ويأوي عناصر الجماعات المتطرفة التي تهدد أمن واستقرار هذه الدول.

وفي هذا الصدد، طلب البرلمان الأوروبي، الأربعاء، تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والتي من شأنها خفض بعض برامج التمويل التي يقدمها الاتحاد لتركيا؛ بسبب سجل تركيا السيئ في الفساد وتفكيك سيادة القانون وانتهاكات حقوق الإنسان وحقيقة أن تركيا تحتفظ بسجل عالمي لعدد من الصحفيين في السجن والدستور المعدّل مؤخرًا للنظام الرئاسي، بما يعزز استبداد أردوغان.

خلاصة القول: إن السياسات الخارجية التي ينتهجها أردوغان في ظل هيمنته على مقاليد الأمور، سوف تعيد تركيا إلى الوراء، وتفقد المستثمرين ثقتهم في تركيا، وتجعل تركيا تخسر مناصريها وداعميها من الغرب؛ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وتفقد حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما أن السياسات العدائية تجاه دول الجوار ودعم الإرهاب والجماعات المحظورة وإيواءها تجعل تركيا تخسر أهم شركائها التجاريين في الجوار الإقليمي؛ وبخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر. إن الخسائر التي يتسبب فيها أردوغان الآن على الصعيد الاقتصادي ستؤثر على الحياة اليومية للمواطن التركي وتزيدها صعوبة، في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض ثقة المستهلك والمستثمر على السواء وهروب الاستثمارات الأجنبية وتزايد معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي.

هذه الأمور مجتمعة ستنعكس على تصويت المواطن التركي في الانتخابات البلدية القادمة، وستكون لها دلالاتها على مستقبل أردوغان السياسي وحزبه.

المصدر "كيوبوست"