طمس المعالم الأثرية والحضارية..

هل تتدخل اليونسكو لمنع انتهاكات الحوثي في اليمن؟

مكتبة زبيد التاريخية

اليمن

لم تتوقف جرائم الحوثيين في اليمن على إزهاق أرواح الأبرياء أو تحطيم البنية التحتية لليمن فقط، بل امتدت إلى تخريب “ثقافة الشعب اليمني” وتاريخه؛ سواء عبر فرض مناهج تعليمية غريبة عن المجتمع اليمني، أو عبر طمس التاريخ والهوية؛ إما بالتدمير وإما بالسرقة. فقد قام الحوثيون بالتعدي على القلاع الأثرية والمتاحف، وامتدت أيديهم أيضًا إلى نهب الآثار وسرقة التراث.

أما السرقة فقد قالت وكالة الأنباء اليمنية: “إن ميليشيات الحوثي نهبت المخطوطات والكتب التاريخية والعلمية، ونفائس نادرة تحتوي على تاريخ وحضارة اليمن القديمة، وذلك من مكتبة زبيد الواقعة في القلعة التاريخية بالمدينة التابعة لمحافظة الحديدة”.وقال مصدر محلي للوكالة: “إن ميليشيات الحوثي لم تكتفِ بنهب الكتب والمخطوطات الأثرية، بل قامت بنهب المولِّد الكهربائي الخاص بالمكتبة”، ومن المعلوم أن حضارة زبيد التاريخية أُدرجت على قائمة التراث العالمي المهدَّد بالخطر في عام 2000، لكن الخطر يتضاعف حاليًّا عليها؛ بسبب ممارسات الميليشيات التي تسعى لضرب ثقافة وتاريخ هذا البلد العريق”.

وأما التدمير فقد أثبتته منظمة “مواطنة” لحقوق الإنسان ( وهي منظمة يمنية مستقلة)؛ فقد أصدرت تقريرًا بعنوان “تجريف التاريخ“، في نوفمبر 2018، وثَّقت فيه جزءًا من الانتهاكات والاعتداءات التي نفذتها ميليشيات الحوثي ضد المعالم الحضارية والأثرية في اليمن؛ إما بقصفها وإما بتحويلها إلى ثكنات عسكرية.

وأبرز التقرير الميداني للمنظمة الحقوقية اليمنية، الذي شمل تسع محافظات، اهتمام الحوثيين بالسيطرة على القلاع والقصور التاريخية؛ لما لها من أهمية استراتيجية في المعارك العسكرية، كاشفًا عن استخدامهم المعالم الأثرية حصونًا عسكرية؛ لشن هجماتهم انطلاقًا منها.

كما عرض تقرير المنظمة عددًا من الأدلة؛ بينها هجوم الحوثيين على موقع القفل في صعدة، وقصر دار الحجر في لحج، وقلعة القاهرة في تعز، وغيرها.

كما كشفت المنظمة عن أن مدينة براقش التاريخية في مأرب التي تضم معابد بارزة، حولها الحوثيون عام 2015 إلى مكان لتخزين الأسلحة؛ مما عرضها للقصف.

ومن بين المواقع الأخرى التي ذكرها التقرير؛ الحصن في كوكبان، ومسجد الهادي في صعدة، والمتحف العسكري في عدن، ودار الحجر في صنعاء، حيث استخدم الحوثيون مدفعية ودبابات لقصف الموقع؛ مما تسبب في إصابته بأضرار بالغة.

وأمام هذه الهجمة الهمجية لم يكن أمام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو”إلا إدانة نهب المخطوطات والكتب التاريخية والعلمية والنفائس النادرة، وكذلك تدمير التراث والقلاع الأثرية في بيان واضح، أكدت فيه قيمة هذه المخطوطات والكتب المنهوبة، فهي توثق تاريخ المدينة التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر، وتمثل موقعًا تاريخيًّا وأثريًّا كبيرًا على مستوى الوطن العربي، وأكدت أيضًا جريمة الحوثيين بتبديد هذا التراث الإنساني النادر.

وتعليقًا على ذلك، قال المدير العام لـ”إيسيسكو”،  الدكتورعبد العزيز بن عثمان التويجري: “إن سرقة هذا التراث تعتبر عملًا إجراميًّا بحق التراث الحضاري اليمني، ومخالفة خطيرة للمواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بحماية التراث الحضاري والمحافظة عليه”.

ودعا التويجري الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وبخاصة “اليونسكو”، إلى التدخُّل؛ لإجبار ميليشيات الحوثي على إعادة ما نهبته من مكتبة مدينة زبيد، باعتباره جزءًا من التراث الثقافي للإنسانية جمعاء، والذي تنص اتفاقية لاهاي المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاعات المسلحة على تجريم الاعتداء عليه.

لا يُمكن أن نَعُدَّ الآثارَ شيئًا ثانويًّا، فهي تحتل مكانةً عظيمة في تكوين هوية المواطن، وتعريفه بتاريخه وحضارته وقيَم أجداده وطُرق حياتهم؛ الأمر الذي ينعكس إيجابًا على زيادة الانتماء لدى المواطنين لبلدهم وحضارتهم، ويُسهم في تقريبهم من تاريخهم، كما يُعزز غرس القيم الوطنية؛ مما يَنتُج عنه التلاحم القوي بين أبناء الشعب الواحد.

تُساعد المحافظة على الآثار على المحافظة على التاريخ؛ باعتبارها مصدرًا رئيسيًّا لحفظ تاريخ البلاد وتاريخ الشعوب التي عاشت فيها، وتعكس حضارتها الأصيلة التي قامت فيها منذ القِدَم.

لهذا يحرص الحوثيون على تحويل الهوية اليمنية المتسامحة إلى هوية متصارعة؛ عبر تحويل الصراع السياسي على السلطة إلى صراع ديني (سُنة وشيعة)، وفي سبيل تحقيقهم ذلك يعمدون إلى طمس التراث المادي والممتلكات الثقافية؛ مما يفقد اليمن إرثه المتنوع، سواءً أكان باستخدامهم القلاع الأثرية لأغراض عسكرية، أم باستهدافها وإلحاق أضرار متفاوتة بها، أم بالاستيلاء عليها وبيعها خارج اليمن؛ لتمويل عملياتهم العسكرية.

ويبدو أن الحوثيين يحملون موقفًا عدائيًّا من التاريخ غير المتسق مع فكرهم، مثلهم مثل “داعش”، فكما دمَّر “داعش” المدن الثقافية والتاريخية بسوريا هاهي ميليشيات الحوثي تُدمِّر الكثير من الممتلكات الثقافية في مناطق سيطرتها باليمن.

كيوبوست