حيثيات الهجوم الإرهابي..

تقرير: لماذا أخفقت نيوزيلندا بتقدير خطر اليمين؟

شرطي يقف بالقرب من مسجد النور في مدينة كرايستشرش والذي شهد هجوماً إرهابياً (أرشيف)

24

يستمر البحث والتحقيق في حيثيات الهجوم الإرهابي الذي شنه المتطرف الأسترالي برينتون تارنت برفقة متطرفين آخرين على مسجدين في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا، موقعاً 50 قتيلاً وعشرات الجرحى.

في الوقت الذي يكبر فيه حجم الإدانة والتضامن مع ضحايا الهجوم الإرهابي، يكرر البعض أسئلة جدية عن تجاهل تهديدات اليمين المتطرف المتصاعدة في نيوزيلندا خاصة، وفي مناطق أخرى عامة.

وركز تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية الجمعة الماضية، على أسئلة الكثيرين حول كيفية تجاهل الحكومة والشرطة النيوزيلندية للإرهابي الأسترالي برينتون تارانت في ظل امتلاكه نزعة متطرفة واضحة، وأفكار آيدولوجية معادية للمسلمين، وترسانة أسلحة عسكرية متطورة كبيرة لم يخف يوماً هوسه بامتلاكها.

جدل واسع
وأثار الهجوم الإرهابي جدلاً واسعاً في أوساط المجتمع النيوزيلندي الذي يعيش فيه عدد كبير من المسلمين، وتساؤلاً واضحاً عن سبب تنامي العنصرية في نيوزيلندا، وعن كيفية تجاهل تلك الآفة المدمرة دون رادع.

ويؤكد التقرير، أن الجمعيات الإسلامية في نيوزيلندا حذرت مراراً من تصاعد العنصرية والعنف تجاه المسلمين طيلة السنوات الخمس الماضية، لكن دون جدوى. وركزت تلك الجمعيات في تحذيراتها على منطقة "بيكيها" (نيوزيلندا الأوروبية) والتي شهدت تصاعداً كبيراً للعنصرية مقارنة بمناطق أخرى من نيوزيلندا.

ويقول عالم الاجتماع والخبير في علم الجنايات والعصابات، جارود غيلبرت، إن مدينة كرايستشريش والجزيرة الجنوبية من نيوزيلندا لها تاريخ طويل في صعود العرق الأبيض (ذوي الرؤوس الحليقة) يعود إلى سبعينيات القرن الماضي.

ويؤكد غيلبرت، أن فترة التسعينيات كانت ذهبية بالنسبة للعنصريين البيض في نيوزيلندا، فكانوا يمارسون بلطجيتهم بشكل علني، ويسيئون بشكل يومي لذوي البشرة الملونة، رغم قلة عددهم في تلك الآونة، إلا أن انتخاب قادة عالميين من اليمين المتطرف شجعهم للبروز مرة أخرى، وحثهم على تطوير عدائهم في ظل عدم اتخاذ إجراءات صارمة من قبل الدول التي ينشطون فيها. وتشير التقديرات إلى أن عدد أعضاء اليمين المتطرف النشطين في نيوزيلندا وحدها يبلغ 250 شخصاً.

ويؤكد الخبير، أن "المشكلة الحقيقية تكمن في تخفي هؤلاء المتطرفين، وانتشارهم بأماكن متفرقة، وأن تروجيهم لأفكارهم العدائية عبر الإنترنت صعب من مواجهتهم".

كراهية 
من جهتها، تقول مفوضة العلاقات العرقية في نيوزيلندا، سوزان ديفو، إن المسلمين كانوا يواجهون الكراهية والإساءة من قبل المتطرفين في بلادنا منذ سنوات.

وطالبت سوزان في مقال لها، الشرطة في نيوزيلندا بمراقبة المتطرفين البيض في البلاد بنفس قدر مراقبة المجرمين والمخربين.

وأكدت في تصريح لها "لا تقولوا لي أن الهجوم كان مفاجئاً، الكراهية تعيش في نيوزيلندا منذ زمن، لكنها في 15 مارس تجسدت بشكل فعلي حينما شن إرهابي هجوماً على مسلمين بسلاح آلي".

وفي حين ينفي الإرهابي الأسترالي انتمائه لأي مجموعة متطرفة في نيوزيلندا، يؤكد الخبير في الشؤون المتعلقة باليمين المتطرف في جامعة ماسي بنيوزيلندا باول سبونلي، أن هناك ما بين 200-250 عضواً ناشطاً في جمعيات اليمين المتطرف في البلاد، وأبرز الداعمين لهم الجبهة الوطنية النيوزيلندية، وحركة الـ"دومينون" وجهات أخرى.

صعود اليمين المتطرف 
في 2017، اشتبك أعضاء من الجبهة الوطنية النيوزيلندية المتطرفة مع محتجين خارج البرلمان، في العاصمة ولنغتون، وفي العام ذاته اتهمت مجموعة طلابية من جامعة أوكلاند وتدعى "رابطة الطلاب الأوروبيين" بالترويج لمواد متطرفة صادرة عن جماعات قومية بيضاء.

وفي الآونة الأخيرة نشطت حركة الـ"دومينون" في البلاد، وتتشابه تلك الحركة في آيدولوجيتها مع حركة "الهوية الأوروبية".

وفي 2009 تأسست مجموعة تدعى جناح المقاومة اليميني، وعقدت لقاءات متكررة في مدينة كرايتشيرش وسط تفاخر بأن المدينة أصبحت مركزاً "للمتفوقين البيض".

ويؤكد الخبير سبونلي، أن مدينة كرايستشرش كانت مركزاً مهماً لليمين المتطرف في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وأكد أنه وجد في بحث له أكثر من 70 مجموعة يمنية متطرفة تتخذ من المدينة مقراً لها، وكان مكونها الأساسي ذوي الرؤوس الحليقة والنازيون الجدد والقوميون المتطرفون.

يقول سبونلي، إن التركية السكانية للمدينة تغيرت بعد الزلزال المدمر في 2011، خاصة في ظل الدور الذي لعبه المهاجرون في إعادة بناء المدينة، إلا أن الجماعات اليمنية المتطرفة لا تزال نشطة هناك ولديها أيد طويلة في المدينة.