في جولة أوروبية..

"شي" يتحدى واشنطن وماكرون يواجه "التنين الأحمر"

زيارة دولة فرنسا

رؤية

يبدأ الرئيس الصيني شي جين بينج، اليوم الإثنين، زيارة دولة إلى فرنسا، حيث يتطلع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تحقيق شراكة متوازنة مع بكين، ومعالجة مبادرة الحزام والطريق في الإطار الأوروبي، فيما يتطلع بينج إلى منع أوروبا من أن تحذو حذو الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحمائية التجارية.

وتأتي زيارة فرنسا، ضمن جولة أوروبية يقوم بها الرئيس الصيني لحشد الدعم الأوروبي لمبادرة "الحزام والطريق" - خطة اقتصادية لنشر بنى تحتية بحرية وبرية تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا - ولموقف بلاده في حربها التجارية مع الولايات المتحدة، في أول زيارة يقوم بها إلى الخارج خلال هذا العام، وثاني زيارة لأوروبا خلال أربعة أشهر.

وصل الرئيس الصيني أمس إلى فرنسا قادما من إيطاليا بعد محطة في موناكو، وقضى الليل في فندق "ناغريسكو" الفخم في نيس، وتناول العشاء في المساء مع ماكرون في بوليو سور مير على ساحل كوت دازور برفقة زوجتيهما ضمن الشق الخاص من زيارة شي.

من المتوقع وصول شي إلى باريس ظهر اليوم، لتبدأ مراسم استقباله الرسمية، وغدا الثلاثاء، ستكون المحطة الأهم في جولته الأوروبية، حيث ينظم ماكرون قمة مغلقة للرئيس الضيف مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في قصر الإليزيه.


أهمية الزيارة

تتزامن الزيارة مع الذكرى الـ55 لتأسيس علاقات دبلوماسية بين الصين وفرنسا، والذكرى الـ15 لتأسيس علاقات استراتيجية مع إيطاليا، فيما تحل الذكرى الـ 50 للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين العام المقبل، وتتمثل أهمية زيارة موناكو في كونها أول زيارة يقوم بها رئيس صيني للبلاد، ما يثبت وجهة نظر الصين الدائمة بأن جميع الدول متساوية بغض النظر عن حجمها، بحسب تحليل لوكالة الأنباء الصينية الرسمية.

تتوقع بكين من هذه الزيارة أن تمثل رحلة من أجل تعزيز علاقات الصداقة وتعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا، إذ تنظر للرئيس الفرنسي تحديدا باعتباره يمثل قوة دافعة داخل الاتحاد الأوروبي، وربما يكون خليفة ميركل في قيادة الاتحاد، بصرف النظر عن المشاكل التي يواجهها في الداخل الفرنسي.

كما تسعى الصين من خلال هذه الزيارة إلى دعم وجهة نظرها فيما يتعلق بملف حماية التعددية المهدد من قبل قيادة ترامب، ويعتبر الاتحاد الأوروبي وفق تقرير صدر منذ عشرة أيام، الصين تشكل خطرا اقتصاديا، بسبب طوحاتها الهائلة، وحتى اللحظة بروكسل ليس لديها خطا سياسيا واضحا حيال هذه الطموحات، سوى بعض البلدان التي استسلمت بالفعل للعروض الصينية المغرية.

تخبط أوروبي

قبل يوم من نهاية زيارته إلى روما السبت الماضي، وقع الرئيس الصيني مع حكومة إيطاليا اتفاقات تتضمن استثمارات صينية في مرفأي جنوى وترييستي، ضمن مبادرة الحزام والطريق، في خطوة أثارت حفيظة الأوروبيين، فحذر المفوض الأوروبي غونتر أوتينغر من أن تحول بنى تحتية استراتيجية هامة مثل شبكات الكهرباء أو خطوط القطارات فائقة السرعة إلى الأيدي الصينية عوضا عن أوروبا يمثل خطرا، يجب مواجهته باستراتيجية أوروبية موحدة.

وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في تصريحات صحفية: في عالم يضم عمالقة مثل الصين وروسيا أو شركائنا مثل الولايات المتحدة، لن يكون بوسعنا الاستمرار إن لم نكن متحدين، إن كانت بعض الدول تعتقد أن بوسعها عقد صفقات مربحة مع الصين، سوف تُفاجأ عندما تدرك أنها أصبحت دولا تابعة.

حتى داخل إيطاليا، واجهت خطوة الحكومة انتقادات واسعة، فقال وزير الداخلية ماتيو سالفيني - والذي امتنع عن المشاركة في اللقاءات الرسمية مع الرئيس الصيني- ليس بإمكان أحد أن يقنعني أن الصين سوق حرّة، فهي تفرض قيوداً على الشركات الأجنبية لدخول أسواقها، وتسهّل تجارة المنتوجات المزوّرة التي تكلّف اقتصادنا 60 مليار دولار سنويا.

بالنسبة لفرنسا، قال ماكرون أمس خلال مأدبة العشاء مع شي: إن بلاده تولي اهتماما كبيرا لمبادرة الحزام والطريق، وتعتبر الصين شريكا استراتيجيا هاما، وتقدر دور الصين ومساهماتها الهامة في قضية تغير المناخ وغيرها من القضايا الدولية، إلا أن ماكرون يرى ضرورة معالجة "المبادرة" تحت سقف الاتحاد الأوروبي وليس بشكل فردي.

اليوم وغدا، سيلعب ماكرون دورا بالتعاون مع ميركل، لقيادة المعركة الأوروبية في وجه العملاق الصيني، بهدف وضع خطة لضبط مقود طموحاته، قبيل القمة الأوروبية الصينية الشهر المقبل في بركسل، وبالتالي سيبذل ماكرون جهدا لحض شي على الالتزام بقواعد النهج التعددي.

شي من جانبه، دعا في مقال تحت عنوان "التحرك معا نحو التنمية المشتركة" نشر أخيرا في "لو فيغارو"، إلى مواجهة التحديات عبر الجهود المشتركة وتعميق الثقة الإستراتيجية المتبادلة من أجل توسيع أفق التنمية المشتركة والرخاء المشترك.
وأكد أن بلاده ترغب في تعزيز التواصل الاستراتيجي وتشجيع المجتمع الدولي على السعي لأرضية مشتركة، وترك الاختلافات جانبا، ودفع التنمية عبر التعاون.

بكين بالفعل تمكنت من استمالة البرتغال واليونان وإيطاليا وعدد من الدول الأوروبية إلى جانبها في مبادرة "الحزام والطريق" التي ينظر إليها أوروبيا بأنها مشروع يهدف إلى إقامة بنى تحتية باستخدام قروض صينية، ما يجعل الدول المقترضة تحت رحمة بكين.