إعادة النظر في المناهج التعليمية..

الثقافة وبناء الفرد السلبي

الأسر ذات التكوين الثقافي الديمقراطي والتي يتم توزيع السلطة فيها توزيعا متساويا

أزراج عمر

من حين لحين أعود إلى كتاب هربرت ماركيوز الموسوم بـ“الإنسان ذو البعد الواحد” لكي أدرس فيه كيف تنشأ الشخصية الفردية السلبية التي تتميز بأنها معزولة وعازلة في آن واحد، ومن الصدف أن هذا الكتاب لا يقدّم نقدا صارما للمجتمعات الرأسمالية التي تخلق الإنسان الاستغلالي، بل يتعرّض أيضا بكثير من الفهم العلمي الدقيق للبلدان النامية منها مصر التي يرى أن “التصنيع” فيها يتعايش “مع ثقافة ما قبل صناعة ومعادية للصناعة”. ويعني ماركيوز بهذا أن الشخصية المعادية للتصنيع هي من صنع الثقافة بامتياز.

وفي سياق آخر يلاحظ كل من المحلليْن النفسييْن وهما مصطفى صفوان وعدنان حب الله وذلك في كتابهما المشترك والذي يحمل عنوانا “مشكلات المجتمع العربي” أن “الفردية غير موجودة في الثقافة العربية أو تتهمش أمام الجماعة، أضف إلى ذلك أن البنية الاجتماعية العربية لا تزال في أكثر المناطق الريفية قبلية”.

والملفت للنظر هو أن الدكتورين صفوان وحب الله يعتقدان أن غياب الفردية الإيجابية في الثقافة العربية يعود إلى عدم نجاح بلداننا في إنجاز عملية الانتقال من طور ثقافة القبيلة إلى طور ثقافة الفرد الحر، وفي هذا الشأن يقولان إن “الانتقال من التوزيع القبلي إلى الثلاثي الأوديبي يتطلّب أجيالا، وإذا ما حصل بسرعة من دون تمهيد فيؤكد مما لا شك فيه العنف”.

وفي هذا السياق أذكر كاتب قصة من سوريا قال لي يوما ونحن نتجول في فضاء حديقة الهايدبارك بلندن إن الفرق بيننا وبين المجتمعات الديمقراطية هو أننا نبدأ كجماعات، ولكن ننتهي أفرادا متناحرين، في حين يبدأ الناس في المجتمعات الديمقراطية أفرادا وينتهون جماعات.

لا شك أن غياب الفرديات المكملة لبعضها البعض في مجتمعاتنا المؤسسة على ثقافة التسلط هو الذي يدعونا بقوة إلى ضرورة إعادة النظر في المناهج التعليمية وفي النصوص التي تدرس لطلابنا، لأن الرأسمال الثقافي الذي ينهله هؤلاء من هذه المناهج وتلك البرامج التعليمية ومن المحيط العام أيضا هو الذي يشكّل فردياتنا السلبية التي تعشش في تضاريسها اللامرئية القبيلة أو الطائفة أو العشيرة.

وهكذا ينبغي تكريس الدراسات التي تقودنا إلى معرفة كيف يعاد إنتاج القبيلة أو الطائفة في الأفراد، وكيف يصبح العالم الداخلي لإنساننا نسخة مكررة للطائفة أو العشيرة وهلم جرّا. فقد تبيّن لكثير من الدارسين أن الأسر ذات التكوين الثقافي الديمقراطي والتي يتم توزيع السلطة فيها توزيعا متساويا ودون إقصاء أو إلغاء أو إنكار لهذا أو لذاك من أفرادها، تكون غالبا مصدر الذهنية الديمقراطية وبناء على ما تقدّم فإن بناء الفرد المشبع بذاتيته الحرة داخل الأسرة هو المقدمة التي يمكن أن تفضي بنا إلى القضاء على النموذج الثقافي الدكتاتوري السائد في مجتمعاتنا.