قصة قصيرة (2)

الساق الخشبية ورحلة الضياع

يتكرر المشهد المأساوي المؤلم امام ناظريها وللمرة الثانية

عفاف سالم

ومضت الأشهر وبعض سنوات وصاحبة الساق الخشبية على تلك الحالة من التشرد والضياع ، وبين ارجاء تلك المدينة راحت تفتش عن طفلتيها الحبيبتين ، على أمل العثور عليهما لكن تمضي الايام تباعاً من دون جدوى ، فجميع محاولاتها قد باءت بالفشل ، ومع ذلك لم تكل ولم تمل ، وواصلت رحلة البحث في اصرار ، ومع اشراقة شمس صباح كل يوم جديد ، كانت تغادر منزلها لمواصلة رحلة البحث الشاقة ، تفتش وتحدق النظر هنا وهناك علها تجد ما قد يشفي ضمأ قلبها المتعطش لطفلتيها الغائبتين او حتى طرف خيط من شأنه ان يدلها او يرشدها على مكان وجود الطفلتين ..... لكنها بدت كالباحث عن إبرة في كومة قش.
وكلما حل المساء ، وأسدل الظلام استاره ، تهم بالعودة الى منزلها وهي تجر أذيال الخيبة ، لتنزوي في زاوية من زوايا المنزل ، وعلى مقربة منها كانت تجلس صغيرتها التي لسعت الشمس الحارقة بشرتها واكلت لونها واكسبت شعرها اللون الاشقر.... وقد يمزق الجوع احشاءها الا انها لا تلقي له بالاً وكثيراً ما تفقد شهيتها للطعام من شدة العناء.
وهكذا وعقب انقضاء يوم جديد طويل انطوت صفحاته من دون جديد يذكر ويوماً عن يوم كان الأمل يتلاشى يتضاءل لكنها لا ترغب في الاستسلام.
ازداد الناس اشفاقاً على الطفلة ، ومع ذلك لا يملكون حيلة لانقاذها من الدوامة التي ادخلتها فيها امها ، بل ولا حتى لم يكن بمقدور احدهم آطعامها فأمها قد فقدت الثقة بكل من تعرف منهم ، عدا هذه الطفلة البائسة التي كتب عليها أن تعيش في تشرد ويتم ولم تنعم يوماً بطفولتها البريئة كشأن بقية الأطفال الذين ينعمون بالدفء الأسري وحتى اختيها الحبيبتين غادرتا المنزل وهي نائمة او ربما يقظة لا تدري فقد كانت حينها وليدة ساعتها كما حكت لها أمها .
وفي هذه الدوامة التي عاشتها الأم وألمت بها وكادت تقضي عليها كانت تلمح وهجاً من نور او بصيصاً من أمل يتسلل لها من قلب العتمة ، فقد جاء اخيراً من يجدد الامل في نفسها ويخبرها انه التقى زوجها ، وأنه قد حدثه بشأن الطفلتين وضرورة اعادتهما ، وانه قد وجد الاستجابة من الزوج ولا مانع لديه إن تعالجت بعد معرفته لما آل اليه أمرها عقب أخذه لطفلتيها خلسة منها ، واشترط العلاج لقاء إعادتهما ، ومتى ما تماثلت للشفاء سيحقق امنيتها ..
ومع انها كانت ترفض زيارة الطبيب الا ان الأمر الان قد تغير والحال قد تبدل فمصير طفلتيها متعلق بشفائها.
وما أن اقتنعت وقررت الذهاب للطبيب طلباً للعلاج وطمعاً في الاستشفاء برفقة زوج اختها حتى تستعيد وعيها الذي باتت تفقده تارة وتستعيده تارة أخرى لكثرة الصدمات التي تلقتها.
وحينما عزمت لاسترداد عافيتها وحيويتها المعهودة حتى حدثت المفاجأة ، فزوج اختها اصيب بجلطة مفاجئة ولم يغادر المشفى الا بعد أن فارقت الروح الجسد ، في حين دخلت اختها بالغيبوبة وكادت تقضي هي الاخرى حزناً على زوجها الطيب لتتضاعف الجرعات على المسكينة.
وهكذا يتكرر المشهد المأساوي المؤلم امام ناظريها وللمرة الثانية لتعيدالى ذهنها تفاصيل أحداث حاولت عبثاً نسيانها، ومحوها من ذاكرتها ، انها اللحظات نفسها تتكرر مجدداً... فأختها لم تفق بعد من غيبوبتها وخشيت ان تفقدها هي الاخرى.
ومن بين الزحام انسلت خلسة فقد ايقنت ان المغادرة خير لها من البقاء في منزلها الكئيب اذ لا طاقة لها باحتمال المزيد من الاحزان والالم.
ولم يأبه لها أحد او يهتم لشأنها فقد تاهت في شوارع المدينة المزدحمة او ربما غادرت مع طفلتها الى مكان بعيد علها تنسى فيه ماضيها الاليم لتبدأ من جديد لكنها بكل تأكيد لن تنسى طفلتيها وستسجدي من فاعلي الخير ما تسد به جوعها وطفلتها إذ لا سبيل آخر امامهما غيره لاشباع جوعهما ... وللقصة بقية