ترجمة..

تقرير: هل يعترف الإعلام الغربي أخيرًا بالإرهاب الأبيض؟

دروس من كرايست شيرش

واشنطن

لماذا ترفض وسائل الإعلام تلقيب القتلة البيض بالإرهابيين؟ لماذا تتم أنسنة هؤلاء القتلة؟ وتشجيعنا، نحن القراء، على التعاطف معهم؟ لقد تم طرح هذه الأسئلة مرارًا وتكرارًا خلال الهجمات المختلفة على نحو متزايد لليمين المتطرف في السنوات الأخيرة. ومن حيث اللغة المستخدمة أو حجم التغطية، فإن معالجة وسائل الإعلام لأشكال مختلفة من التطرف الأبيض مشوهة؛ فمن المتوقع أن يُطلق على المسلم لقب “إرهابي” على الفور، بينما يتردد الإعلام في تطبيق هذا المصطلح على الأشخاص البيض.

وقد أظهرت الأبحاث التي أجرتها جامعة ألاباما بين عامَي 2006 و 2015 أن الهجمات الإرهابية التي ارتكبها متطرفون مسلمون حصلت على تغطية صحفية أمريكية بنسبة 357٪، أكثر من تلك التي ارتكبها غير المسلمين، على الرغم من أن غالبية عمليات القتل المتطرفة المحلية في هذه الفترة كانت مرتبطة بالتطرف اليميني.

في 15 مارس الماضي، وعندما ارتكب عنصري أبيض أكثر الأعمال الإرهابية دموية في تاريخ نيوزيلندا الحديث؛ حين بدأ مهاجمة مسجد النور قبل التوجه إلى مركز لينوود الإسلامي ليقتل 50 شخصًا ويجرح 50 آخرين، وتم بث أولى هذه الهجمات مباشرة على “فيسبوك”، كانت تغطية وسائل الإعلام لهذا الحدث مكثَّفة؛ حيث وصل حجمها في الأسبوعَين التاليين للهجوم إلى أكثر  من 200,000 قطعة خبرية تغطي الحدث وتبعاته.

ووصفت صحيفتا “ديلي ميل” و”ذا ميرور” مطلق النار بأنه “ملائكي” و “ولد أشقر صغير” على التوالي؛ حيث تم انتقادهما بسبب ذلك، لكن ما مدى انتشار هذا الخطاب في وسائل الإعلام؟ في ما يلي تحليل إحصائي لأكثر من 200,000 مقالة إخبارية نُشرت في الأسبوعَين التاليين لهجوم كرايست شيرش. وتنتمي هذه المقالات إلى نحو 80 لغة مختلفة؛ حيث تركز المقاطع الخاصة بالهجمات المتطرفة الإسلامية وكذلك اليمينية الأخيرة على وجه الخصوص، على مدى ارتباط هذه الهجمات بالإرهاب وباللغة المستخدمة في تغطيتها.

تحيُّز إعلامي

هناك أكثر من 200,000 قطعة إخبارية على مستوى العالم حول هجوم كرايست شيرش؛ من بينها 90,000 مقالة لم تربط بين الهجوم والإرهاب. ونجد أكثر من 40٪ من التغطية العالمية لم تصف هذا الهجوم بأنه “عمل إرهابي”؛ ما يعكس التباين عبر أشكال مختلفة من الوسائط، خصوصًا وسائل الإعلام المذاعة التي تجاهلت ربط الهجوم بالإرهاب على نحو متكرر (51.7٪) أكثر من أية منصات أخرى. وأحد التفسيرات المحتملة لذلك هو أن المواد الإذاعية تميل إلى أن تكون الأقصر على الإطلاق.

Qposts 

ونظرًا لسحب هذه البيانات من مجموعة مصادر عددها 3,000,000؛ يمكن التساؤل عما إذا كان هذا التباين موجودًا في ما يُطلق عليه “منافذ الإعلام” التي تحظى بجماهير أكبر وسمعة أكثر موثوقية، فعند رصد قائمة مختارة من أبرز 50 منفذًا إعلاميًّا من أعلى المستويات؛ من بينها: “إيه بي سي نيوز، بي بي سي، بلومبرغ، الصين اليوم، فاينانشال تايمز، فوربس، جلوبال كابيتال، هارفارد بزنس ريفيو، إيرش تايمز، جيروسالم بوست، لوموند، رويترز، روسيا اليوم، سكاي نيوز، سيدني مورنينغ هيرالد” وغيرها.. نجد الفجوة  في التغطية تتسع لتشمل 52.3٪ من القطع الخبرية، التي “فشلت” في وصف الحدث بالإرهاب. وفي المقالات التي تصدَّر الهجوم عناوينها، من بين جميع المصادر، لم يذكر نحو خُمسيها (39.8٪) لفظ “الإرهاب”.

فجوة واسعة

وفي مقارنة بين التغطية الإعلامية لهجوم كرايست شيرش وتغطية 6 هجمات إسلامية متطرفة وقعت خلال الأشهر الأخيرة من ناحية، وبين كرايست شيرش و5 هجمات يمينية من ناحية أخرى، من حيث المقالات التي لم تذكر المهاجم (بالاسم)، وتلك التي ذكرت المهاجم لكنها لم تصف الحادث بالإرهاب، فجاءت المؤشرات كالتالي:

هجمات إسلامية متطرفة

 

هجوم إسلامي متطرف

التغطية الإجمالية

تغطية دون ذكر  

وصف “إرهاب”

النسبة المئوية

هجوم بالسكين في باريس 2018

2.249

687

% 31.5

كاركاسون وتريبس 2018

4.222

757

17.9 %

لييج 2018 

3.714

783

21.1 %

مانشستر 2017

21.962

3.816

17.4 %

شاحنة نيويورك 2017 

3.755

1.128

30.0 %

شاحنة ستوكهولم 2017

3.569

421

11.8 %

النسبة/المؤشر التقديري

–           

–           

21.6 %

الإجمالي

39.471

7.592

19.2 %

كرايست شيرش

58.018

18.778

32.4 %

هجمات يمينية/بيضاء:

هجوم يميني متطرف

التغطية الإجمالية

تغطية دون ذكر  وصف “إرهاب”

النسبة المئوية

الهجوم بالقنابل على البريد، الولايات المتحدة 2018

54.481

44.207

81.1 %

كنيس بيتسبرغ 2018  

77.414

66.611

86.1 %

سيارة شارلوتسفيل 2018

25.004

22.549

90.2 %

تورونتو  2018

820

454

55.4 %

مسجد كيبك 2017  

7.923

5.489

69.3 %

النسبة/المؤشر التقديري

–           

–           

76.42 %

الإجمالي

165.642

139.310

 84.1 %

كرايست شيرش

58.018

18.778

32.4 %

أول ما يتضح لنا هو أن تغطية الهجمات الإسلامية المتطرفة تختلف من حيث الكم عن الهجمات اليمينية. وكما هو متوقع، من المرجح أن تربط وسائل الإعلام هذه الهجمات بالإرهاب. الشيء الثاني الذي يجب الانتباه إليه هو أن هجوم كرايست شيرش كان مفاجأة في مدى استعداد وسائل الإعلام لتصنيفه بالإرهاب. وهذا ملحوظ بشكل خاص عندما نقارنه بهجوم العام الماضي في كنيس بيتسبرغ. ومن الواضح أن هناك شيئًا مختلفًا حول رد الفعل على هجوم كرايست شيرش عن الهجمات المتطرفة اليمينية الأخرى.

ويبدو من المعقول الوقوف طويلًا أمام هجومَي بيتسبرغ وكرايست شيرش؛ لأن كليهما تم بواسطة مهاجمَين ينتميان إلى اليمين المتطرف/الأبيض، وقد تضمنا إطلاق نار، كما هاجم كلاهما أقلية دينية في مكان للعبادة. وعلى الرغم من أوجه التشابه الكثيرة بينهما؛ فإن هناك اختلافًا واضحًا في طريقة تناول الإعلام لهما على نحو يصعب تصديقه.

الخلاصة

يأتي الاعتقاد بأن وسائل الإعلام تتعامل مع الإرهاب بشكل غير متكافئ اعتمادًا على الهجمات التي تمت دراستها. فلم تذكر المقالات لغة الإرهاب إلا مع التطرف الإسلامي، في حين لم تُشر مقالات أخرى كثيرة إلى المهاجمَين اليمينيَّين المتطرفَين. وهذا ينطبق على وسائل الإعلام في جميع الموضوعات وليس الإرهاب فقط؛ وبالتالي لا يمكن اعتبار أي منفذ إعلامي مصدرًا محايدًا؛ إذ يقوم كل منها بنسخ تصوراته المسبقة وتحيزاته في الروايات بغض النظر عن الموضوع.

وتعد حادثة إطلاق النار في كرايست شيرش استثنائية في مدى استعداد وسائل الإعلام لوصف مطلق النار بأنه إرهابي. ولعل أسباب ذلك ليست واضحة تمامًا، لكن يبدو واضحًا التأثُّر بموقف رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، الجريء والفوري من الهجوم. فقد أدان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قبل هجوم بيتسبرغ ووصفه بأنه “عمل قتل جماعي شرير”، ولم يُسَمِّه بالإرهاب، في حين وصفت أرديرن هجوم كرايست شيرش بأنه “عمل إرهابي” في غضون الساعات الست الأولى من بدايته. ويبدو أن رغبة أرديرن في وصف إطلاق النار في كرايست شيرش بأنه حادث إرهابي قد قادت رواية وسائل الإعلام. وإذا كانت هذه هي الحال؛ فإن ذلك يدل على أن الشخصيات العامة قد تكون لديها القدرة على تحويل السرديات التي تخص مختلف الأحداث والموضوعات.

Qposts