قراءة خاصة ل"اليوم الثامن"..

تحليل: المطامع التركية في السودان

سوداني يرفع علم بلاده - ارشيف

د. وسام بسام
"تركيا تسعى لأن تكون بوابة السودان نحو أوروبا على أن يكون السودان بوابة تركيا نحو إفريقيا"، جسدت تلك التصريحات  الصادرة عن المستشار الأول لرئيس الوزراء التركي عمر قورقماز، دوافع زيارة أردوغان للسودان بصورة كبيرة، في الوقت الذي كانت فيه "الخرطوم تترقب زيارة على هذا المستوى منذ سنوات .
هذه الزيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان، التي جاءت فى ديسمبر 2017 ، لاقت  اهتماماً من قبل وسائل الإعلام العربية والإقليمية لما تنطوي عليه من دلالات وأهداف، تتعلق بشكل أو بآخر ببعض الملفات الشائكة في المنطقة، حيث كانت الزيارة الأولى للرئيس التركي للسودان منذ 61 عامًا على رأس وفد ضخم يضم قرابة مئتي رجل أعمال ومستثمر بالإضافة إلى وزراء حكومته وعدد آخر من المسؤولين، تعكس حجم ما تمثله من أهمية بالنسبة له ولبلاده على وجه العموم، فضلاً عن توقيتها الحساس الذي وضعها تحت الأضواء بشكل غير مسبوق.
تُبدي تركيا اهتماماً لافتاً بالسودان ليس فقط لكون النظام الذي يحكم هذا البلد ذا مرجعية إسلامية، بل وأيضاً لجهة موقعه الجغرافي، والثروات الطبيعية التي يكتنزها.
حيث يملك السودان احتياطياً ضخماً من الذهب، و يحتلّ المرتبة الثالثة أفريقيّا بعد كل من جنوب أفريقيا وغانا.
ويقدّر عدد الشركات العاملة في هذا المجال بالسودان أكثر من مئة شركة من 15 جنسية.
ويرنو النظام السوداني إلى زيادة عدد المستثمرين الأجانب، لإنعاش خزينته وجلب العملة الصعبة، التي يعاني نقصا حادّا منها ،فمنذ انفصال الجنوب في 2011، يكافح اقتصاد السودان  آخذا معه ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط، وتشكّل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان مدخلاً لدول مثل تركيا لزيادة استثماراتها في هذا البلد، بحوافز جدّ مغرية ،  حيث يرى مراقبون أن أنقرة التي تطمح إلى تعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، تتخذ من الاستثمار الاقتصادي والعمل الخيري مدخلين أساسيين للتغلغل في الدول، خاصة تلك التي تعاني أزمات.
وتريد تركيا تنويع اقتصادها والبحث عن أسواق استهلاكية جديدة، وسط هواجس من إمكانية تعرضها لهزّات كتلك التي تعرّض لها اقتصادها في الفترة الأخيرة، والتي اعتبرت أن دوافعها سياسية، غامزة من قناة الولايات المتحدة .
أردوغان الذي كشف قبل عامين تقريبا عن توقيع  (22)  اتفاقية مع الجانب السوداني في العديد من مجالات التعاون، مشيدًا بالإمكانات الاقتصادية الكبيرة والموارد البشرية الهائلة التي يمتاز بها السودان، مطالبًا بضرورة تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بقدر الإنسانية والثقافية معها.
رغبة البلدين في تدشين مرحلة جديدة من التعاون البنّاء ساقت إلى تشكيل "مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى" بين البلدين الذي يهدف إلى نقل العلاقات بين البلدين إلى مستويات متقدمة أكثر.
وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوطيد علاقاته بالرئيس السوداني المعزول عمر البشير، أملا في الحصول على موطئ قدم للنفوذ التركي في القارة السمراء، وهو ما ترجم من خلال لقاءات متوالية أسفرت عن اتفاقيات واستثمارات بقيمة مليارات الدولارات في السودان، إضافة إلى اتفاق لتولي شركة تركية مسؤولية إنشاء مطار الخرطوم الجديد، واتفاق آخر لمنح إدارة جزيرة "سواكن" السودانية على البحر الأحمر، للشركات التركية.
جزيرة سواكن السودانية:
جزيرة سواكن السودانية ، والتى يعدها أردوغان جزءاً مهماً من خارطة التمدد التركي بالشرق الأوسط، وسيطرة أنقرة على العواصم الإسلامية، تمهيدا لاستعادة إمبراطورتيها ، حيث وقع الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، اتفاقية مع نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارة الأخير للخرطوم عام 2017، تقضي بتسليم إدارة الجزيرة الواقعة في البحر الأحمر إلى أنقرة للاستثمار فيها، هذه الزيارة التى أثارت جدلاً واسعاً، بعدما حصلت أنقرة على مشروع إعادة إعمار وترميم آثار تلك الجزيرة الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان، وهو ما أدى إلى تأجيج التوتر في المنطقة بسبب الخطوة التي وصفت بأنها تأتي ضمن إعادة نفوذ الإمبراطورية العثمانية الغابرة.
الكثير من الأموال الطائلة التى دفعتها تركيا وكذلك قطر ، على مدار السنوات الماضية ، من أجل ترسيخ أطماعهما في السودان ، الذى بات يشكل لهما البوابة الحقيقية نحو افريقيا من خلال دعم جماعات وميليشيات تدين لهما بالولاء لتنفيذ أجندتهما.
أما اليوم ، ومع انطلاق الثورة السودانية ، انقلبت الأمور لتغير المشهد إلى وجهة غير المتوقعة لأردوغان فى أطماعه نحو السودان ، ومن خلال علاقته بالرئيس السوادني والحزب الحاكم بالسودان ، الثورة السودانية التي شكلت فى الوقت ذاته ضربة كبيرة للمحور القطري التركي ، الذى طالما حاول ترسيخ نفوذه و الهيمنة  على السودان .
فأردوغان الذي اعتمد في نهجه على التقارب الفكري بينه وبين حكومة السودان السابقة، والتي غلبت عليها التوجهات الإخوانية التي تعتبر أرضية مشتركة للتعاون بين البلدين، إلا أنّه بعزل البشير عن السلطة، وخروج الإخوان -بالتالي- من دائرة السلطة، تتعقد مصالح الرئيس التركي وبلاده في القارة السمراء ، الآن يجد أردوغان نفسه في موقف حرج في ظل تراجع نفوه بالفعل في دول افريقيا ، على الأخص فى السودان و ليبيا ، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة في تركيا والتي تهدد استقرار أنقرة داخلياً.
كما تواجه استثمارات تركيا في السودان موقفاً صعباً، يمثل خسارة جديدة لتركيا في ظل الأزمات المتلاحقة التي تضر بعلاقاتها الدبلوماسية.
لذلك يرى مراقبون، أن التغيير في السودان وتقلص حضور الإخوان داخل بنية النظام السوداني، يشكلان خسارة جديدة وفادحة للتنظيم الدولي للإخوان ومن يمدونه بوقوده (تركيا وقطر)، ذلك ما يعني  تغيرًا في استراتجية الدولة السودانية نحو تركيا وقطر، ويهدد مصالح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السودان.
مستقبل العلاقات السودانية-التركية :
بعد أن خسرت تركيا علاقتها بالنظام الحاكم فى السودان، فانتصار السودانيين في ثورتهم يشكل إسقاطًا للمنظومة الإخوانية فيه ، فالسيناريوهات المتوقعة ببساطة تتلخص فى ثلاثة احتمالات هى :
السيناريو الأول ، استمرار العلاقات على ماهي عليه ، مع مراجعة كل الاتفاقات بين السودان وتركيا والتي من شأنها أن تهدد الأمن القومي السوداني والعربي .
السيناريو الثاني ، الغاء كل الاتفاقيات ووقف العلاقات ولو لفترة .
السيناريو الثالث ، تطوير العلاقات ، وتجاوز مرحلة البشير ، لكن هذا قد يكون غير مرجح فى الوقت الحالي ، فى ظل تراجع حظوظ الاخوان فى النظام السوداني بعد البشير .