يتصدر إيرادات السينما الأميركية..

هل أعاد "علاء الدين" الجديد الاعتبار للحكاية العربية

حب استثنائي بين ابن الشعب وأميرة

نهى الصراف

قبل عامين، وأثناء حضوري العرض المسرحي لقصة علاء الدين الذي قدمته “ديزني” عام 2014 واستنادا على النجاح الذي حققته نسخة الفيلم الكرتوني الذي تم إنتاج نسخته الأشهر عام 1992، أصبت بخيبة أمل، لأن المسرحية كانت عبارة عن عرض راقص هندي الملامح؛ بأزيائه وممثليه وديكوراته وأسواقه التي تمتلئ بأقمشة الساري، حتى تكاد تشم بين جنبات مشاهده رائحة التوابل.

كنت أبحث في ذاكرتي من دون جدوى عن اسم مدينة عربية يقترب من “أغرباه”؛ المدينة الخيالية التي دارت فيها أحداث المسرحية والفيلم من قبلها، فلم أجد أي شيء يمت بصلة للصورة الكاملة لقصة علاء الدين المستوحاة من كتاب “ألف ليلة وليلة” أو حتى الخلفية العربية لتفاصيل الحكاية، في حين لا يزال الشك قائما عن أصل الحكاية التي تتحدث عنها مخطوطة عربية كتبت في بغداد على اعتبار أنها حكاية شرق- أوسطية، كما يظهر ذلك من خلال أسماء سكان المدينة ويبدو فيه سلطانها وكأنه حاكم عربي مسلم.

على الرغم من التسليم بأن شخصية علاء الدين هي شخصية خيالية عربية، إلّا أن هناك من يشكك في أصلها وينسبها إلى الثقافة الهندية أو الفارسية.. وقيل إنها لم تكن من ضمن قصص “ألف ليلة وليلة” الأصلي، حيث أضافها المستشرق الفرنسي أنطوان جولان في ترجمته بعد أن سمعها من حكواتي حلبي.

كنت أتساءل بدهشة؛ ترى لماذا لم يبحثوا عن مواهب عربية لتجسيد الأدوار الرئيسية بل وحتى الثانوية في عمل ضخم كهذا؟ هل استشاروا مصممي أزياء متخصصين بلباس الناس في الحقبة التاريخية البعيدة التي تتحدث عنها القصة؟ ولماذا يظهر العمل ككل وكأنه من غير هوية محددة؟ بالطبع، واجه العرض المسرحي حينها الانتقاد في ما يتعلق بهذه النقاط وغيرها الكثير، وقيل إن الانتقادات تسببت في تأثر عائدات العرض، وهو مجرد تقدير جزافي لأن العرض شهد نجاحا كبيرا واستمر يجتذب الجمهور لسنوات، ربما بسبب الاستعراضات والمؤثرات وبعض الطرائف التي توزعت في نسيج الحوار.

عادت “ديزني” هذا العام، مُستندة أيضا على سحر قصة “علاء الدين” لتطرح الفيلم الخيالي سينمائيا هذه المرة، وهو عبارة عن التجسيد الحي لنسخة “ديزني” الكرتونية التي صدرت عام 1992، وتعد أحد أشهر كلاسيكيات الرسوم المتحركة.

ويبدو أن التجسيد الحي لقصة علاء الدين تأتي في إطار سعي شركة “ديزني” منذ سنوات إلى إعادة إنتاج قصص الرسوم المتحركة الشهيرة وتحويل أبطالها الكارتونيين إلى أناس يشبهوننا من لحم ودم.

تصدر الفيلم الجديد “علاء الدين” إيرادات السينما الأميركية في مطلع الأسبوع الأول من عرضه بتاريخ 24 مايو الماضي، مسجلا 86.1 مليون دولار، واستطاع العرض الذي أخرجه غاي ريتشي إحراز أكثر من 185 مليون دولار في أميركا وكندا، حتى الآن، بإجمالي عالمي بلغ 449.3 مليون دولار، مقابل ميزانية إنتاج تبلغ 183 مليون دولار.

أبطال النسخة الجديدة هم: ويل سميث في دور الجنّي الأزرق، الذي أدّاه بصوته في النسخة الكرتونية الراحل روبين وليامز؛ بالاشتراك مع الممثل الكندي المصري المولد مينا مسعود في دور الوسيم الماكر علاء الدين الذي يقع في حب الأميرة ياسمين التي تجسّدها نعومي سكوت، الممثلة البريطانية ذات الأصول الهندية.

وأثنت بعض الصحف العالمية على العمل الجديد والأداء المبهر لممثلين بعضهم لم يكن الجمهور قد تعرّف إليه جيدا حتى إنتاج النسخة الجديدة من الفيلم، كما تطرقت الصحف إلى الموسيقى المميزة والمؤثرات المبهرة.

لم يستطع العمل الجديد الخروج من إطار الصورة النمطية للمدينة العربية وكانت الصحراء -كالعادة- حاضرة بقوة، كما أن “ديزني” أخفقت في بعض اختياراتها للممثلين والأزياء، حيث اختلطت صورة العرب بممثلين من خلفيات آسيوية، رغم حرصها هذه المرة على الاستعانة بممثل من أصول عربية ثم اختيار بقية الممثلين من خلفيات عرقية متنوعة.

تدور أحداث الفيلم في مدينة أغرباه الخيالية، وكان علاء الدين يعيش وسط أزقتها المزدحمة، وهناك يلتقي مصادفة بالأميرة ياسمين فيقع في حبها.

وفي النسخة الواقعية، قدم العمل الممثل مينا مسعود المصري/ الكندي في دور علاء الدين، وهو من مواليد القاهرة عام 1991، هاجر مع والديه إلى كندا في طفولته، وظهر مسعود بملامحه المحببة أكثر قربا من ملامح شخصية علاء الدين الفتى الطيب الماكر، والتي أحبها الصغار في الحكاية الخيالية، وكان أداؤه جيدا.

كما قدم الفيلم الممثل مروان كنزي الهولندي/ التونسي، في دور جعفر الذي أجاد دور الشرير برؤية جديدة بعيدا عن الصورة النمطية للشر المطلق، أما دور ياسمين فقدمته نعومي سكوت (بريطانية من أب إنكليزي وأم هندية)، وهنا يظهر مرة أخرى تشوّش في الرؤية لدى جهة الإنتاج بين الملامح العربية والملامح الهندية.

سرق ويل سميث، كعادته، الأضواء في دور جني المصباح وكان يحاول الخروج بنمط مغاير لشخصية الجني الذي اعتاده المشاهد، فعقد مع علاء الدين صداقة بدت حقيقية وهو يتحايل في بعض المواقف لإنقاذه من زلات لسانه وإضفاء بعض اللمسات الكوميدية على المشاهد التي جمعت بينهما.

عززت مشاهد الفيلم طابعه الشرقي/ العربي، من خلال معمارها وقصورها وأزياء مواطنيها، ثم في لقطات سريعة تظهر وثائق ومخطوطات كتبت بالعربية، لكنها لم تغفل بالطبع منازل الفقراء التي تحيط بقصور أثريائها، وهذا تأكيد على المسافة الشاسعة التي تفصل بين الحاكم الشرقي وشعبه، حتى إذا كان هذا في صورة حكاية موجّهة إلى الصغار.