النتائج الأولية للانتخابات..

انتخابات الرئاسة التونسية تنفتح على أكثر من سيناريو قاتم

النتائج الأولية والحينية لعمليات الفرز

وكالات

تسود تونس حالة من الترقب والتشنج في انتظار النتائج النهائية للدور الأول من الانتخابات الرئاسية التي ستعلنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مساء اليوم الاثنين وهي الجهة القانونية الوحيدة المخولة بإعلان نتائج الانتخابات بغض النظر عن النتائج الأولية لاستطلاعات الرأي وسبر الآراء التي تجريها مراكز متخصصة.

وأظهرت التقديرات الأولية تصدر المرشح المستقل قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري قائمة المترشحين للرئاسة بفارق يزداد اتساعا مع نبيل القروي مرشح حزب قلب تونس الذي حلّ ثانيا ومرشح حركة النهضة الإسلامية عبدالفتاح مورو الذي حلّ ثالثا.

وتحمل كل ساعة تمر منذ إغلاق مراكز الاقتراع مساء أمس الأحد أخبارا جديدة مع مواصلة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عمليات الفرز وتجميع النتائج من مختلف مراكز الاقتراع بكافة المحافظات التونسية.

وإلى حدّ الآن تشير المعلومات التي نشرتها الهيئة إلى تقلص الفارق بين مرشح حركة النهضة ومرشح حزب قلب تونس الموقوف على ذمة التحقيق في قضايا تهرب ضريبي وتبييض أموال، وهي اتهامات اعتبرها حزب القروي والقائمون على حملته الانتخابية سياسية وكيدية.  

وبحسب آخر تحيين نشرته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فإن النتائج الحينية بعد احتساب 48 بالمئة من محاضر الفرز، فإن سعيّد في المرتبة الأولى بـ18.8 بالمئة بفارق قريب من 55 ألف صوت عن القروي وبفارق 90921 عن مورو، بينما تقلص فارق الأصوات بين القروي ومورو، حيث أظهرت النتائج الحينية أن مرشح قلب تونس احتل المرتبة الثانية بـ15.4 بالمئة مقارنة بـ13.2 بالمئة مع مورو الذي حلّ ثالثا. وبلغ فارق الأصوات بين مرشح حزب قلب تونس ومرشح حركة النهضة 36284 صوتا.

وأظهرت النتائج الجزئية اليوم الاثنين بعد احتساب 52 بالمئة من محاضر الفرز تقدما واضحا لمرشحين من خارج المنظومة السياسية التقليدية (العائلات السياسية التي برزت عقب الثورة أو تلك التي شكلت امتدادا لنظام ما قبل الثورة تحت عناوين ومسميات مختلفة) في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التونسية أمس الأحد وسط ذهول ودهشة المؤسسة السياسية الراسخة هناك، فيما يشبه الزلزال السياسي.

وشكلت نتائج الانتخابات صفعة للعائلة الوسطية الليبرالية والعائلة الإسلامية وأيضا العائلة اليسارية التي حلت في أسفل الترتيب. وتعكس النتائج بالفعل حالة التشرذم التي طبعت كل هذا التيارات السياسية وسط تجاذبات وانقسامات منذ وفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وإعلان تقديم موعد الانتخابات الرئاسية وتزاحم المرشحين ببرامج مبهمة لم تقنع الناخبين الذين التفتوا بالدرجة الأولى إلى قيس سعيد الذي لا برنامج سياسيا واضحا له ولا ماكينة دعائية قوية وقفت خلفه.

وبينما أنفق مرشحون مئات الآلاف من الدولارات على حملاتهم، لم يكن لسعيد لا مدير حملة ولا تمويلا بل فقط مقرا متواضعا من ثلاث غرف في مبنى قديم بوسط العاصمة وكان يعول على تبرعات متواضعة من متطوعين يدعمونه.

وينتمي سعيد الذي يتحدث الفصحى دائما كما لو كان في محاضرة بالجامعة، للطبقة المتوسطة على عكس أغلب الطبقة السياسية. ويقود سيارته القديمة ويقول إنه يفضل البقاء في منزله إذا تم انتخابه بدلا من الانتقال إلى القصر الرئاسي الفاخر في قرطاج.

ويدعم سعيد، صاحب النهج الاجتماعي المحافظ، تطبيق عقوبة الإعدام ويرفض المساواة في ميراث للرجال والنساء ويركز على اللامركزية في الحكم في بلد لدى ساسة العاصمة فيه قوة مهيمنة على نحو تقليدي.

وتتناقض ثروة نبيل القروي الهائلة والآلة الانتخابية الضخمة التي لديه تناقضا صارخا مع قيس سعيد الذي لم ينفق أموالا تذكر في حملته الانتخابية مما جعل تونسيون يتندرون قائلين إن كلفة حملته هي علبة سجائر وفنجان قهوة.

أما بالنسبة لبروز القروي في المشهد السياسي التونسي فتلك حال أخرى، فالرجل الذي واجه في السابق ولايزال اتهامات بالفساد المالي وبأنه كان أيضا ضمن منظومة الحكم بالدعاية لوجوه سياسية معينة قبل أن تتفتت التحالفات السرية والعلنية، استهوته اللعبة السياسية وبدلا من الدعاية لغيره قدم نفسه نصيرا للفقراء والمستضعفين عبر حملة تبرعات قامت تحت عناوين إنسانية وتضامنية في ظاهرها وعناوين انتخابية ودعائية في مضامينها.

وظل القروي، الذي يوصف بأنه برلسكوني تونس، يستخدم لسنوات قناة تلفزيون نسمة التي يملكها والمؤسسة الخيرية التي أسسها بعد وفاة ابنه لتقديم نفسه بطلا للفقراء ومعوضا لغياب الحكومة وتقصيرها، بينما يصفه منتقدوه بأنه طموح شعبوي يسعى للمتاجرة بآلام المهمشين والفقراء للوصول لكرسي الحكم.

وينفي القروي اتهامات التهرب الضريبي وغسل الأموال الموجهة له ويقول إنه يتعرض لحملة ممنهجة وسياسية يشنها خصمه الرئيسي رئيس الوزراء يوسف الشاهد بهدف إقصائه من السباق الرئاسي.

وسيمثل حفاظ هذين المرشحين على تقدمهما زلزالا سياسيا ورفضا قويا للحكومات المتعاقبة التي لم تستطع تحسين مستوى المعيشة أو إنهاء الفساد.

وقالت امرأة متحدثة عن القروي "مللنا وعود كل السياسيين التقليديين الذي كانوا كاذبين.. نأمل أن يفي القروي بوعوده وأن يبقى (يظل) يساعدنا.. هو وعدنا إن انتخبناه سيوفر الشغل وسيحسن أوضاعنا.. نحن جربنا الآخرين سابقا لماذا لا نجرب القروي".

وهذه الشهادة عيّنة من آلاف يفكرون بالطريقة ذاتها تماما كما جرى في الانتخابات التشريعية عقب الثورة التي جاءت بالنهضة الاسلامية للحكم، فمعظم الناخبين صوتوا للإسلاميين على أساس أنهم أهل نزاهة وشرف وأنهم قادرون على مقاومة الفساد واحلال العدالة الاجتماعية.

لكن بعد تجربة حكومتي الترويكا، اصطدم الناخبون بأن الوعود أكبر من الانجاز وأن الرهان على حسن الظنّ بهم كان مجرد وهم وكذلك الحال بعد سقوط حكم الترويكا فقد كان التصويت عقابيا أكثر منه قناعة بالبرامج الانتخابية. السيناريو ذاته تككر في انتخابات الرئاسة 2019 وقد يتكرر في الانتخابات التشريعية التي ستجري قريبا.

سيناريوهات محتملة

وينفتح المشهد السياسي بتجلياته الراهنة على أكثر من سيناريو في انتظار إعلان الهيئة العليا للانتخابات عن النتائج النهائية، في الوقت الذي أبدى فيها أعضاء في حركة النهضة تفاؤلا بإمكانية قلب المعادلة وصعود مرشحهم مورو إلى المرتبة الثانية مع تقلص الفارق بشكل كبير بينه وبين نبيل القروي.  

وقال منار السكندراني (من حركة النهضة) في تدوينة على صفحته بفايسبوك "السباق على المرتبة الثانية لايزال مشوقا. آمل في صعود الشيخ عبدالفتاح مورو إلى المرتبة الثانية. إرادتي مازالت تساوي أملي".  

وفي خضم كل هذه التطورات برزت سيناريوهات وقرارات لا تستبعد انقلابا على نتائج الانتخابات الرئاسية من قبيل صعود أو تصعيد مرشح النهضة عبدالفتاح مورو للدور الثاني بعد "إسقاط" القروي من الترتيب الثاني بدعوى تلقيه تمويلا أجنبيا أو ربما صدور حكم قضائي يدينه في القضايا التي وضع بموجبها في السجن حتى استكمال التحقيقات معه.  

ويقول المحلل السياسي فريدي العليبي في تدوينة على صفحته بفايسبوك، إن هذا السيناريو وارد.

وجاءت تدوينة العليبي تحت عنوان سيناريوهات الانقلاب القادم والتي كتب فيها " نتائج الانتخابات متحكم بها حتى الآن، وهناك سيناريوهات مختلفة لما بعد الدور الأول تصب جميعها في الانقلاب على النتيجة الأولية التي أصدرتها مؤسسات سبر الآراء ، أولا بالترفيع في نسبة الأصوات التي حصل عليها عبدالفتاح مورو بما يمكنه من التنافس مع قيس سعيد ووقتها سوف يجلب إلى صفه الناخبين الذين صوتوا لأطياف اليمين الديني المتعددة وجماعة الشاهد وقد ينجح. ثانيا حتى في حال المحافظة على تلك النتائج الأولية يتم استبعاد القروي من السباق في الدورة الثانية بعد صدور حكم قضائي ضده وهو ما عبر عنه بوضوح رئيس الهيئة العليا للانتخابات (نبيل بفون) ووقتها يكون السباق أيضا بين سعيد ومورو"

وختم بالقول "الإسلام السياسي لن يفرط في الحكم بصناديق الاقتراع فهو يستعملها لكي يحكم ولا يغادر تحت وقع نتائجها".    

ومن أقوى الساسة الذي نافسوا في السباق الرئاسي رئيس الوزراء يوسف الشاهد ورئيس الوزراء السابق مهدي جمعة ورئيس سابق (المنصف المرزوقي) ووزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي إضافة إلى عبدالفتاح مورو رئيس البرلمان بالنيابة ومرشح حزب النهضة الإسلامي.

وقال الشاهد في وقت متأخر من مساء أمس الأحد معترفا بالهزيمة "ما حصل هو نتيجة تشتت الصف الديمقراطي.. تلقينا الرسالة التي أرسلها الناخبون وهو درس يجب أن نفهمه جيدا".

وكان حزب النهضة محظورا قبل الثورة وكان في وقت من الأوقات القوة الرئيسية المناهضة للمؤسسات في تونس، لكنه بات طرفا رئيسيا في الحكومات الائتلافية المتعاقبة التي وقعت بين مطرقة الرغبة الشعبية في المزيد من الإنفاق وسندان الحاجة لخفض الدين. وتجري الانتخابات البرلمانية في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وقال مسؤول من حزب النهضة إن حزبه يركز الآن أيضا على هذه الانتخابات، مضيفا أن النهضة مستعدة دائما للتوافق والنهج التشاركي في الحكم.

وفي ظل تدني نسبة الإقبال على التصويت التي بلغت 45 بالمئة مقارنة بنسبة 63 بالمئة عام 2014، تسلط النتيجة الضوء على الإحباط واسع النطاق من ضعف الاقتصاد وارتفاع البطالة وتردي الخدمات العامة وتجذر الفساد.

وسيمثل فوز نبيل القروي بالجولة الأولى صداعا دستوريا حقيقيا للمؤسسات الحاكمة في تونس وسيزيد التساؤلات بشأن مصير المرشح المسجون. وقالت هيئة الانتخابات إنه سيبقى في سباق المنافسة ما دام لم يصدر حكم نهائي يدينه.

وفي الوقت نفسه، قضت ثلاث محاكم متعاقبة بضرورة بقائه في السجن أثناء مواجهته التهم، على الرغم من شكاوى مراقبي الانتخابات من أن هذا يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة مع بقية المرشحين، لكن معارضيه يقولون إن استخدامه لقناته التلفزيونية غير قانوني وسبب كاف لإبطال ترشحه.

ومن غير الواضح أيضا ما إذا كان سيصبح رئيسا قانونا في حال فوزه في الجولة الثانية أيضا، إذا كان غير قادر على حضور أداء اليمين الدستورية أثناء وجوده في السجن أو ما إذا كانت الحصانة الرئاسية من المقاضاة ستطبق في قضية قائمة.

ولم يتم بعد إنشاء محكمة دستورية يفترض أن تنظر في مثل هذه النزاعات الشائكة.

وألقت السلطات القبض على القروي قبل أسابيع من الانتخابات بسبب مزاعم تهرب ضريبي وغسل أموال أثارتها ضده هيئة للشفافية قبل ثلاث سنوات.

وجاء في رسالة القروي "الشعب التونسي عاقب من حاول سرقة أصوات الناخبين عبر وضعي في السجن دون محاكمة وحرماني من التواصل مع التونسيين"، مضيفا "الشعب التونسي قال لا للظلم.. لا للتهميش.. لا للفقر.. نعم للأمل".