تقارب علني وشيك..

عبدالرحيم الفتيح: الإصلاح يخطط لنقل الصراع إلى الساحل الغربي

مخطط لا يتماشى مع تطلعات اليمنيين

أحمد جمال

رغم الخسارة التي مني بها الحوثيون والإخوان في عدن، يصر الانقلابيون، مدعومين بحزب الإصلاح، على المضي قدما في تنفيذ أجندتهما، حيث يشير عضو اللجنة الدائمة في حزب المؤتمر الشعبي عبدالرحيم الفتيح، في حوار مع “العرب”، إلى أن حزب الإصلاح، الذي كان يتطلع للسيطرة على عدن، تحت ظل الشرعية، يستجمع قواه في تعز لنقل الصراع إلى الساحل الغربي، فيما كان الحوثيون يخططون للهيمنة على الضالع والحديدة.

تكشف المراوغات التي يقوم بها أقطاب في الحكومة الشرعية باليمن عبر الحوارات السياسية التي انطلقت في جدة مطلع الشهر الجاري مع المجلس الانتقالي الجنوبي، عن رغبة الأطراف التي تهيمن عليها، وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في استمرار الصراعات المسلحة بعيدا عن الحلول التي يتبناها التحالف العربي.

وقال عضو اللجنة الدائمة في حزب المؤتمر الشعبي عبدالرحيم الفتيح، في حوار مع “العرب”، إن حزب الإصلاح يسعى إلى الابتعاد بالشرعية عن تسوية الأزمة في الجنوب سياسيا، بعد أن أدرك فشل المخطط القطري الإيراني بفرض أمر واقع جديد من العاصمة المؤقتة عدن، من قبل التحالف العربي.

ويظهر الوزراء المنتمون إلى حزب الإصلاح عداء علنيا للتحالف العربي ولحوار جدة. وأصدر ثلاث قيادات بالشرعية، الاثنين الماضي، بيانا عبروا فيه عن موقف الشرعية الرافض للحوار بشكل عام، في وقت تتكتم فيه دوائر سياسية عدة على الإفصاح عن نتائج الحوارات المستمرة بشكل غير مباشر حتى الآن في جدة.

وأضاف الفتيح، الذي يقيم في القاهرة حاليا، أن مخطط الدوحة وطهران كان يريد هيمنة الميليشيات الحوثية على الضالع (جنوب) والحديدة (جنوب غرب)، فيما تتحرك قوات حزب الإصلاح ممثلة بما يسمى “الجيش الوطني”، للسيطرة على عدن، وتكون مفاصل الدولة اليمنية بشكل كامل بيد الحوثيين والإصلاح.

واندلعت قبل خمسة أشهر معارك بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين على أطراف محافظة الضالع الجنوبية، غير أن الحوثيين فشلوا في اختراقها، ما حصن المحافظات الجنوبية المحررة من إمكانية سقوطها بيدهم مرة أخرى، وتبقى المعادلة العسكرية في الحديدة من دون تغيير تقريبا منذ توقيع اتفاق السويد العام الماضي.

هيئة لمكافحة الإرهاب

سعى التحالف العربي إلى إجهاض تلك المؤامرات بأدوات سياسية عبر إصدار بيانات مشتركة بين السعودية والإمارات، والتأكيد على أن الحل السياسي الوحيد القادر على إنهاء التوترات في محافظات الجنوب، هو تدخله عسكريا بشكل محدود للفصل بين القوات ومحاولة الحد من اندلاع المعارك.

وبرأي الفتيح، يسعى التحالف العربي من خلال حوار جدة للتوصل إلى تسوية سياسية بين الشرعية والمجلس الانتقالي كمقدمة لأن تشمل باقي المكونات السياسية في اليمن، وأبرزها حزب المؤتمر الشعبي، قبل أن يكون هناك تحرك على مستوى إحداث تغييرات واسعة في الحكومة تشمل الجميع وتكون بمثابة أرضية خصبة لإنهاء الانقلاب الحوثي. وأشار في حديثه إلى أن التسوية السياسية لا يمكن أن تجري في مناخ تمرح فيه التنظيمات الإرهابية بشكل كبير داخل المحافظات اليمنية، بعد أن أفسح لها الإصلاح حرية الحركة، وهو ما يفرز الحاجة إلى تأسيس هيئة حكومية عسكرية لمكافحة الإرهاب، بعيدا عن القوات التي يهيمن عليها حزب الإصلاح.

ولا تنفصل دعوة الفتيح إلى تأسيس قوة لمكافحة الإرهاب عن مطلب آخر شدد عليه أكثر من مرة خلال حواره مع “العرب”، يتعلق بإزاحة الشخصيات التي تربطها صلات بتنظيمات إرهابية وتتحكم في قرارات الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي، وعلى رأسها نائبه علي محسن الأحمر، ومدير مكتبه عبدالله العليمي، قبل الشروع في البحث عن تشكيل حكومة جديدة.

يسعى حزب الإصلاح إلى إمكانية الاستعانة مجددا بالقوة العسكرية بحثا عن المزيد من المكاسب على الأرض، ويرفض الحوار المباشر مع المجلس الانتقالي بزعم أن ذلك ينتقص من مكاسبه التي حققها من خلال سيطرته على مفاصل الشرعية.

الدوحة تحرك أدواتها باليمن في الاتجاه المعاكس، ما جعل تحالف الإخوان مع الحوثيين بمثابة دعامة سياسية قادرة على التنفس حتى الآن، بل إنه يسعى لتقوية الشوكة في مواجهة التحالف العربي

وأكد الفتيح، والذي يترأس ائتلاف “تحالف تعز” (حقوقي)، أن الإصلاح يحشد قواته في محافظة تعز (جنوب صنعاء) المسيطر عليها رغبة في نقل الصراع إلى الساحل الغربي، وأن أعدادا كبيرة من العناصر الإرهابية التي فرّت هاربة من عدن في أعقاب سيطرة المجلس الانتقالي عليها، انضمت إلى قوات اللواء الرابع مشاة، وهو أحد الألوية التي شكلها ويسيطر عليها حزب الإصلاح، وتستهدف تلك القوات العناصر العسكرية التي تجابه الميليشيات الحوثية.

وأفصح عن وجود حملات إصلاحية تحريضية على التظاهر ضد التحالف العربي في مدينة المخا، المتاخمة لساحل البحر الأحمر والتابعة إداريا لمحافظة تعز، وهي المنطقة التي تشهد معارك بين القوات المشتركة والميليشيات الحوثية، وأن الحملات طالت منطقة الحجرية في جنوب تعز وتعد أحد المداخل الرئيسية نحو عدن، والتي تؤمنها كتائب أبي العباس وقوات اللواء 35 مدرع، وهو أول من واجه الحوثيين في اليمن.

تحدث عبدالرحيم الفتيح بشكل أكثر تفصيلا عن جوهر الأزمة الحالية في اليمن، مشددا على وجود حكومة شرعية هي بالأساس أضحت تحت مسمى “شرعية الإصلاح”، كما أنها تختبئ خلف قوات تقول إنها “جيش وطني”، في حين أن الجيش اليمني جرى تفكيكه منذ أحداث 2011، وجميع القيادات العسكرية أضحت موجودة في البيوت وحل مكانها أشخاص مدنيون لا يعرفون شيئا عن العسكرية.

وأضاف أن العديد من القادة العسكريين المتواجدين حاليا هم في الأصل معلمون وعمال، ويمثلون قنابل موقوتة لأن ولاءهم الأول للتنظيم الذي قام بتعيينهم في مناصب عسكرية وتصعيدهم من دون أن تكون لديهم خبرات قتالية، وتعد تلك الإجراءات جزءا من خطة حزب الإصلاح وجماعة الإخوان للتمكين والاستفادة من الحرب الدائرة بأكبر قدر ممكن.

وبرهن مراقبون على الخيانة، بحشد قوات الجيش الوطني في مأرب وتعز باتجاه العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المجاورة لها لقتال قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وعدم تحريك قطعة واحدة باتجاه صرواح، وهي إحدى مديريات مأرب المسيطر عليها من قبل الميليشيات الحوثية، وعدم الحشد شمالا نحو جبهات نهم وصعدة والجوف.

ذهب الفتيح للتأكيد على أن التحالف بين الحوثيين وحزب الإصلاح أضحى علنيا بصورة كبيرة بعد أن كان قائما في الخفاء طوال السنوات الماضية، وأن هناك لجنة من الحزب تشكلت بدعم من قطر وصلت إلى تعز خلال الأيام الماضية لبحث إعلان التقارب العلني بين الطرفين.

تقارب علني وشيك

كشف أن تلك الخطوات تأتي بالتزامن مع صول ضباط قطريين إلى صنعاء عبر سلطنة عمان لزيادة حجم التنسيق بين الجانبين، بعد أن أصبح المال القطري المودع في الجمعيات الأهلية وبنك التسليف التعاوني الزراعي في صنعاء، يشكل دعما ماليا رئيسيا للميليشيات الحوثية، فيما تتولى إيران مسألة الدعم العسكري المتمثل في تهريب السلاح وإمداد العناصر الانقلابية بالخبراء العسكريين.

وأكد أن الدوحة تحرك أدواتها باليمن في الاتجاه المعاكس، ما جعل تحالف الإخوان مع الحوثيين بمثابة دعامة سياسية قادرة على التنفس حتى الآن، بل إنه يسعى لتقوية الشوكة في مواجهة التحالف العربي، بما يتناغم مع السياسة الإيرانية الهادفة إلى أن تكون أذرعها في اليمن والعراق والبحرين طعنة في خاصرة بلدان الخليج.

واعتبر الفتيح أن استهداف معملين تابعين لشركة أرامكو السعودية من قبل عناصر تشير جهات التحقيق إلى أنها إيرانية، إنما نتيجة أساسية لتطوير أسلحة الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، وأن طهران سعت لذلك حتى تتمكن من الاختباء خلف جرائمها في مواجهة العقوبات الأميركية التي طالتها. ويستعيد العديد من المراقبين الموقف الأممي الذي قوض القوات المشتركة من إنهاء الوجود الحوثي في الحديدة، بعد أن تدخل المجتمع الدولي لإيقاف المعارك التي حررت أجزاء كبيرة من الساحل الغربي بغرض الدخول في مفاوضات سياسية عبر اتفاق السويد، الذي كان عاملا مساعدا على استمرار سيطرة الحوثيين على مينائي الصليف ورأس عيسى، وتهرب من خلالهما الأسلحة الإيرانية للحوثيين.

وتعتبر مدينة الحديدة بمثابة الرئة التي تغذي الحوثيين بالمال والسلاح وترتكن إيران إلى التواجد الحوثي هناك لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، وبالتالي فإن إنهاء الوجود الحوثي في الحديدة يعد مقدمة للتخلص من العناصر الانقلابية في باقي أماكن سيطرتها، في وقت تعاني فيه بالأساس من شح في أعداد المقاتلين.

وأكد الفتيح أن اليمنيين يعولون على الأجهزة الأمنية التي تشكلت بإشراف التحالف العربي للتعامل مع الميليشيات الحوثية وقوات حزب الإصلاح، والتي تأتي على رأسها القوات المشتركة – الأحزمة الأمنية – النخب الجنوبية، وخاضت معارك طاحنة مع الحوثيين والتنظيمات الإرهابية واستطاعت هزيمتهم، وهي الوحيدة المجهزة حاليا إلى حين إعادة هيكلة الجيش اليمني على أسس وطنية.

وأشار إلى أن التعويل مجددا على قوات الجيش التي يسيطر عليها حزب الإصلاح لن يكون مجديا، بل سيؤدي إلى نتائج عكسية لصالح التنظيمات الإرهابية والميليشيات الحوثية، وأن هجوم تلك القوات مدعومة بما يسمى ميليشيات الحشد الشعبي التابعة للإصلاح في تعز على الألوية التي تستنفر لمواجهة الميليشيات الحوثية أكبر دليل على تغير المعادلة العسكرية في اليمن.

ظهير سياسي محلي

لفت العضو بحزب المؤتمر الشعبي إلى حاجة اليمن إلى إفساح المجال أمام أدوار سياسية وتنفيذية أكبر للأحزاب السياسية غير المنخرطة في استخدام السلاح، وعلى رأسها الحزب الذي ينتمي إليه، بحيث يكون هناك ظهير سياسي يمني (محلي) داعم للجهود العسكرية في مواجهة الميليشيات الحوثية، متوقعا أن ينتبه التحالف العربي لتلك المكونات التي ستكون وسيلة مساعدة بعد سقوط ورقة الإصلاح.

وقال إن السعودية والإمارات تحاولان تقريب وجهات النظر بين جبهات حزب المؤتمر، وعقدت لقاءات مباشرة بين قيادات الرياض والقاهرة وأبوظبي في جدة، وانتهت إلى تشكيل لجنة عامة تتولى الإشراف على شؤون الحزب وتوافق الجميع على رفض تولي الرئيس عبدربه منصور هادي رئاسته. وأضاف أن اللجنة مشكلة من أربعة أعضاء، وهم: سلطان البركاني رئيس البرلمان، وأبوبكر القربي وفائقة السيد، من الأمناء العامين المساعدين، وأحمد علي عبدالله صالح (نجل زعيم الحزب)، فيما تتولى اللجنة الدائمة مسؤولية التواصل مع القواعد الشعبية في محاولة للملمة شتاتها.

وأوضح أن هناك اجتماعات تنظيمية تجري بين الحين والآخر في القاهرة وأبوظبي وجدة بين قيادات الحزب، لمراجعة مواقف الحزب السياسية والتشاور بشأنها، بحيث يكون على أهبة الاستعداد للمشاركة سياسيا بعد أن جرى إقصاؤه على مدار السنوات الماضية، غير أنه نفى في الوقت ذاته وجود اتصالات مباشرة بشأن مشاركة الحزب في الحكومة الحالية أو أي حكومة جديدة قد يجري تشكيلها مستقبلا.

ويعول على وضوح أهداف التحالف العربي في اليمن، والمتمثلة في إنهاء الانقلاب الحوثي، كإحدى وسائل إنهاء النزاعات المسلحة القائمة حاليا، مشيرا إلى أهمية نظر التحالف بعين واحدة إلى جميع القوى والمكونات السياسية كضمان للاتفاق على وجود مرجعية عربية تساعد اليمن على التخلص من الرغبة الإيرانية في الهيمنة على مقدرات الدولة.

وشدد على أهمية تفكيك التحالف بين الحوثيين والإخوان، لأن الفريق الأول في أضعف مواقفه بعد أن تخلت عنه العديد من القبائل التي خسرت الآلاف من أبنائها في معارك طاحنة منذ الانقلاب على الشرعية وإطلاق عاصفة الحزم، ما جعله يلجأ إلى الأفارقة والأطفال لتعويض النقص الحاد في صفوفه.

والثاني (الإصلاح- الإخوان) أضحى مكشوفا أمام الجميع بعد أن أظهر ولاءه المباشر إلى قطر وخسر العديد من قواعده الشعبية، ولفظه الجنوب الذي كان يعول على أن يكون قاعدة له، وخسائره التي تلقاها في عدن وأبين وشبوة، وثبوت تعاونه مع التنظيمات الإرهابية تسبب في سقوط شعارات الثورة التي رددها منذ 2011.

يضاف إلى ذلك فشل حزب الإصلاح في تسيير حكومة الشرعية، بالرغم من الدعم الذي قدمه التحالف العربي ليجعل مستقبله السياسي على المحك في ظل الرفض الشعبي الواسع لأداء الحكومة التي أضحت أسيرة لتوجهات الدوحة وتفرغ الوزراء للهجوم على التحالف ودولة الإمارات من دون الاهتمام بالخدمات الأساسية التي باتت متهالكة في غالبية المحافظات المحررة.