تنقيب محموم عن النفط..

ماذا لو أصبح المغرب بلدًا نفطيًا؟

يستورد المغرب حوالي %93 من حاجياته الطاقية، بقيمة 13 مليار دولار

خالد بن الشريف (الرباط)

يتفاجأ الرأي العام المغربي بين الفينة والأخرى بأخبار عن اكتشاف آبار للنفط في المغرب، الثروة التي تحلم بها ـ عادة ـ الشعوب الفقيرة كهبة مجانية من شأنها أن تحسن حياتهم، إلا أن تكرار مثل هذه الأخبار دون ظهور نتائج مؤكدة، جعل الكثير من المغاربة يتشككون في مثل هذه «الصيحات» الإعلامية. فما حقيقة وجود النفط بالمغرب إذن؟

آبار نفط مكتشفة في المغرب

في شهر أغسطس (آب) من العام المنصرم، أعلنت «ساوند إنيرجي»، الشركة البريطانية المتخصصة في التنقيب عن النفط، في بيان رسمي لها، عن اكتشافها احتياطًا كبيرًا للغاز في الشمال الشرقي للمغرب، بمنطقة تندرارة، مبشرة بتسويقه في مطلع 2019.

وقدرت الشركة حجم النفط المكتشف بأنه يمكن أن يصل إنتاجه إلى نصف مليون متر مكعب في اليوم في الحقل الواحد، حيث اعتبرت أن الاكتشافات المنجزة أظهرت إمكانية استغلال ما بين ثلاثة إلى أربعة تريليونات قدم مكعب من الغاز في المنطقة، وتقع هذه الاكتشافات الصخرية للغاز على عمق 3459 مترًا وعرض 2611 مترًا.

ولم يكن هذا الاكتشاف النفطي الوحيد في أراضي المملكة؛ فقد سبق لمديرة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، «أمينة بنخضرة»، الإعلان عن «نجاح حملة التنقيب على مستوى منطقة الغرب- الشراردة- بني حساين، بعد حفر 22 بئرًا، 19 منها كانت مؤشراتها إيجابية». وقبل ذلك أعلنت الشركة الصغيرة الإيرلندية «San Leon Energy» عن اكتشاف حقل غاز في طرفاية جنوب المغرب.

وكان وزير الطاقة والمعادن، «عبد القادر عمارة»، قد صرح سنة 2014 «بوجود احتياطات ضخمة من الصخور النفطية في المغرب، تمكنه من إنتاج 50 مليار برميل من النفط خلال السنوات القادمة»، مؤكدًا أن المعطيات المتوفرة تشير إلى وجود النفط والغاز في البلاد.

وسبق لنفس الوزير أن أشار، خلال ندوة صحافية في نهاية 2015، إلى أن المغرب يتجه إلى التحول لمنتج كبير للغاز خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، وقال: إن البلد «سوف ينتقل من قدرات إنتاج في حدود 100 إلى 200 مليون متر مكعب إلى بضع مليارات من الأمتار المكعبة في العام الواحد».

شكوك في هذه الاكتشافات النفطية المعلنة

تمثل هذه الاكتشافات المعلنة مصدر تفاؤل لمستقبل اقتصاد البلاد، إذا ما ثبت صحتها فعليًا، غير أن هناك شكوكًا كثيرةً تحوم حولها، خاصة وأن ترويج اكتشاف النفط بالمغرب ليس أمرًا جديدا، بالنظر إلى التجارب السابقة.

وفي عام 2000، أعلنت الدولة المغربية، على لسان وزير الطاقة والمعادن، «يوسف الطاهري»، في حكومة «عبد الرحمن اليوسفي»، عن اكتشاف احتياطي مهمّ من البترول بالبلد، يُقدّر بـ1.5 مليار برميل في مجموعة من الآبار، بمنطقة «تالسينت»، ما أثار فرحة عارمة آنذاك، قبل أن يتحول الحلم إلى سراب، بعدما تبين أنها كان خدعة مدبّرة من رئيس شركة «Lone Star»، «مايكل كوستين».

وعلى نفس المنوال، سبق لشركة الطاقة الماليزية «بتروناس» أن أعلنت عن اكتشاف آبار نفطية هامة قبالة الواجهة البحرية للرباط وسلا، مؤكدة أن عملية الإنتاج ستكون بعد أربع سنوات، غير أنه لا شيء من ذلك حدث؛ فبعدها توقفت الشركة عن العمل وغادرت البلاد.

وتكرر الأمر مع شركة «بورا فيدا» الأسترالية، التي أعلنت في سنة 2012 عن العثور على حقل ضخم بمنطقة مازاغان الساحلية بالمغرب، يحتوي على أكثر 3,2 مليار برميل، لكن لم يظهر شيئا من ذلك إلى يومنا هذا.

بعد هذه الخيبات المتوالية، باتت السلطات الرسمية أكثر حذرًا في تعليقها حول الاكتشافات النفطية المعلنة من قبل الشركات الأجنبية العاملة في التنقيب بتراب البلاد، كما أصبح الرأي العام المغربي ينظر لهذه الأخبار بنوع من السخرية واللامبالاة.

ولا تخلو مثل هذه الادعاءات من غايات معينة؛ إذ تلجأ الشركات العاملة في التنقيب عن النفط عادة إلى تضخيم نتائج عملها من أجل رفع أسهمها على البورصات العالمية، وتشجيع المستثمرين على المشاركة في تمويل أعمالها، وكذا لإنقاذها من الإفلاس في حال فشل مهمتها في التنقيب عن النفط، ومن ثمة تحرص هذه الشركات على تمرير بيانات متواترة لوسائل الإعلام، تعلن فيها عن نتائج عملها.

ومن جانب آخر، يعتقد البعض أن الدولة تستغل مثل هذه «الفرقعات الإعلامية»، من خلال ترويجها عبر وسائل الإعلام الرسمية والمسؤولين الرسميين، كاستراتيجية للفت انتباه المواطنين عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وأحيانًا أخرى كبالون اختبار لامتصاص الاحتقان السياسي في البلد.

وبالرغم من أنه قد يكون بالفعل هناك اكتشافات لعدد من آبار الغاز بالبلاد، إلا أن التعويل على وجود احتياطي نفط مهم، يسمح حجمه وتكلفة إنتاجه بتصديره أو حتى تحقيق الاكتفاء الطاقي به، يبقى أمرًا غائبًا على أرض الواقع حتى الآن، لكن توافد الشركات المتخصصة في التنقيب عن النفط بشكل مكثف إلى المغرب، يثير بالفعل الفضول حول إمكانية أن يصير المغرب بلدًا نفطيًا.

تنقيب محموم عن النفط في المغرب

يستورد المغرب حوالي %93 من حاجياته الطاقية، بقيمة 13 مليار دولار، وهو ما يمثل %20 من إجمالي الواردات، وبالتالي تلتهم المشتقات النفطية جزء هامًا من ميزانية الدولة، ومن ثم لجأت المملكة ـ كحل ـ إلى التوجه ـ من جهة ـ إلى الاستثمار في الطاقة الشمسية، ومن جهة ثانية إلى فتح الباب على مصراعيه أمام الشركات المختصة بالتنقيب عن النفط، أملًا في تحقيق الأمن الطاقي.

وفي هذا السياق، وقعت الحكومة المغربية مجموعة من الاتفاقات مع أكثر من ثلاثين شركة أجنبية عاملة في التنقيب عن البترول، فقط خلال الخمس سنوات الأخيرة، منها الشركة الإيرلندية «Cirle Oil»، والأسترالية «Tangiers Petroleum»، والأسكتلندية «Cairn Energy»، والأمريكية «Kosmos Energy» و«Chevron»، و«قطر للبترول»، بالإضافة لشركات أخرى.

وقدمت السلطات المغربية حوافز مغرية للشركات النفطية من أجل تشجيعها على التنقيب في المغرب، مثل الإعفاء عن الضريبة لمدة عشر سنوات انطلاقًا من بداية استغلال الآبار المكتشفة، وإلغاء الرسوم الجمركية على الواردات من المعدات والمواد والسلع والخدمات اللازمة لعمليتي الاستكشاف والاستغلال، وكذا الاستفادة من نسبة مهمة من عائدات البترول في حال العثور عليه، علاوة على منحها رخصة التنقيب في مساحات واسعة من البلد، تقدر بآلاف الكيلومترات.

كما يشجع الموقع الاستراتيجي للمملكة القريبة من أوروبا شركات البترول على تجريب حظها بالمغرب في إمكانية عثورها على حقول نفط؛ ما يسهل تصدير النفط في حالة اكتشافه، إضافة إلى توفر البنية التحتية اللازمة للنقل.

ويرى بعض الخبراء أن المغرب يملك حظوظًا وفيرة للعثور على النفط، باعتبار أن الطبقات الجيولوجية لترابه الوطني غير مكتشفة، والعثور على حقول نفطية في بعض بلدان الساحل الإفريقية، يعزز هذا الاحتمال.

لكن انتظار اكتشاف النفط لتحقيق تنمية اقتصادية في المملكة يبقى خيارًا غير موثوق، ولا سيما أن الثروات الطبيعية لا تعد الحجر الأساس في أية نهضة اقتصادية، بقدر ما ترتبط المسألة بالموارد البشرية وتوفير بيئة مشجعة على الإنتاج والابتكار، وطاردة للفساد.