الأزمة اللبنانية..

تقرير: ماهي الخيارات المتاحة أمام لبنان بعد الفشل تشكيل حكومة؟

نصرالله يحدد الثلاثاء موقف حزبه بناء على وجهة النظر الإيرانية

بيروت

دخلت إيران اليوم الاثنين على خط الأزمة في لبنان بعد أن عطّل حليفاها حزب الله وحركة أمل تشكيل الحكومة ودفعا رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب للاعتذار عن استكمال مهمته.

واصطدمت مساعي أديب تحديدا بشروط وضعها الثنائي الشيعي ممثلا بحزب الله القوة السياسية والعسكرية الأبرز المدعومة من طهران وحليفته حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري لناحية تمسكهما بتسمية الوزراء الشيعة والاحتفاظ بحقيبة المال.

وأبدت طهران استعدادها للتواصل مع باريس ودعم الجهود الفرنسية لمساعدة لبنان إذا ما انطلقت من "نوايا طيبة"، إلا أن إيران لا تتحرك مجانا ولا تفوت فرصة لابتزاز الشركاء الأوروبيين. وقد تكون دخلت في مساومة مع الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الذي أصيب بخيبة أمل بعد أن منيت جهوده بنكسة على اثر اعتذار أديب.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده "نحن على تواصل مع مختلف الأطراف اللبنانيين بشكل مباشر ومتواصل ونأمل في أن نتمكن من المساعدة في حل هذا الموضوع".

ولايزال حزب الله ينتظر الأوامر والتعليمات من طهران لجهة تخفيف موقفه أو تصعيده في ما يتعلق بتسمية رئيس وزراء جديد وتشكيل الحكومة بعد اعتذار مصطفى أديب.

ولم يتضح موقف الحزب بعد وهو الذي دفع مع حركة أمل الوضع إلى المزيد من التأزم بتمسكهما بحقيبة المال وبتوزير شخصيات شيعية، فيما كانت جهود أديب تتركز على تشكيل حكومة اختصاصيين بعيدا عن المحاصصات الطائفية.

الوضع لا يبشر بخير لا سياسيا ولا اقتصاديا فلبنان لم يعد يحتمل الدوران في حلقة مفرغة وهو على حافة انهيار اقتصادي

ويلقي الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الثلاثاء كلمة يحدد فيها موقف حزبه من التطورات والمواقف الأخيرة بناء على وجهة النظر الإيرانية، حيث لا صكوك على بياض لفرنسا لإنقاذ ماء وجهها بعد أن بدا ماكرون لبنانيا أكثر من اللبنانيين أنفسهم وكأنه جزء من منظومة الحكم.

ويبدو حل عقد لبنان حاليا في أيدي إيران وفرنسا بناء على تفاهمات محتملة لن تخرج منها طهران التي تتعرض لضغوط دولية شديدة ولعقوبات أميركية قاسية، خالية الوفاض.

وقد أعاد اعتذار أديب عن عدم تشكيل حكومة جديدة الوضع السياسي في لبنان الذي يعاني أساسا من أزمات متعددة الرؤوس (اجتماعية وسياسية واقتصادية) فاقمتها جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، إلى المربّع الأول.

والوضع لا يبشر بخير لا سياسيا ولا اقتصاديا فالبلد لم يعد يحتمل الدوران في حلقة مفرغة وهو على حافة انهيار اقتصادي ولا سبيل للخروج من أزمته الراهنة إلا بالحصول على منح وقروض دولية مشروطة بتشكيل حكومة وإجراء إصلاحات اقتصادية قاسية.  

ولا يمكن لحكومة تصريف الأعمال برئاسة رئيس الوزراء المستقيل حسان دياب اتخاذ قرارات ولا التفاوض مع أي جهة مانحة.

كما أن تشكيل الحكومة في بلد يقوم على منطق التسويات والمحاصصة، سيستغرق وقتا وغالبا ما تكون الاستشارات التي يجريها رئيس الدولة شكلية ويسبقها التوافق بين القوى الرئيسية على اسم رئيس الحكومة المكلّف قبل تسميته رسميا. وينسحب المبدأ ذاته على تشكيلة الحكومة التي يضعها.

وبعدما فشلت القوى السياسية في لبنان في ترجمة تعهد قطعته أمام الرئيس الفرنسي مطلع الشهر الحالي بتشكيل حكومة في مهلة أسبوعين، منحها ماكرون في كلمة ألقاها الأحد مهلة جديدة من "أربعة إلى ستة أسابيع" لتشكيل حكومة "بمهمة محددة" تحصل على دعم دولي.

وشدّد على أنه "يعود الآن إلى المسؤولين اللبنانيين أن ينتهزوا هم هذه الفرصة الأخيرة".

ولم يحدد عون الذي عبر الاثنين عن أسفه لعدم تمكن أديب من تشكيل الحكومة، موعدا للاستشارات النيابية الملزمة التي يتعيّن عليه إجراؤها من أجل تكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة.

وتوقعت مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهى يحيى أن تستغرق عملية تسمية بديل لأديب "بعض الوقت". في غضون ذلك ستكون البلاد بأيدي "حكومة تصريف أعمال لا يمكنها في الواقع اتخاذ أي قرارات وبالتأكيد لا يمكنها التفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة التعافي الاقتصادي".

ولا يملك لبنان ترف الوقت بينما الانهيار الاقتصادي المتسارع يرخي بثقله على حياة السكان الذين بات أكثر من نصفهم يعيش تحت خط الفقر، إلا أن أداء القوى السياسية بمواجهة مساعي أديب لا يبشّر بالخير.

وقال ماكرون الأحد الذي كان قد دافع سابقا عن تواصله مع حزب الله كونه مكونا منتخبا في البرلمان وحليفا للأكثرية الرئاسية، إن على الحزب اليوم "ألا يعتقد أنه أقوى مما هو".

وأضاف "عليه أن يثبت أنه يحترم جميع اللبنانيين. وفي الأيام الأخيرة، أظهر بوضوح عكس ذلك" معتبرا أنّ "رغبة حركة أمل وحزب الله كانت عدم القيام بأي تنازل".

وتعتزم فرنسا نهاية اكتوبر/تشرين الأول، سواء تشكّلت حكومة أو لا، تنظيم مؤتمر دعم دولي للبنان مع الأمم المتحدة، على أن تُوجّه المساعدات الإنسانية "مباشرة إلى السكان فقط عبر المنظمات غير الحكومية الموجودة على الأرض والأمم المتحدة".

وفي التاسع من أغسطس/اب، بعد أيام من انفجار المرفأ الذي تسبب بمقتل أكثر من 190 شخصا، نظمت فرنسا مع الأمم المتحدة مؤتمرا عبر الفيديو تم بموجبه جمع مساعدات بقيمة نحو 300 مليون دولار.

وعدل ماكرون عن فكرة استقباله القادة السياسيين في باريس توازيا مع انعقاد مؤتمر الدعم من أجل تقييم التقدم في خارطة الطريق التي وضعها، لكنه قال إنه سيجمع "بحلول عشرين يوما كل أعضاء مجموعة الدعم الدولية للبنان لترسيخ وحدة المجموعة الدولية بشأن المراحل المقبلة".

وستكون المرحلة الأولى "المطالبة بنتائج التحقيق" في انفجار المرفأ و"نشرها وتحديد المسؤولين" عنه.

ورفضت السلطات اللبنانية إجراء تحقيق دولي في الانفجار. وأوقفت بموجب تحقيقات تجريها ولم تعلن أي من نتائجها بعد، 25 شخصا على الأقل بينهم مسؤولون كبار عن إدارة المرفأ وأمنه.

وخلال زيارته الأخيرة للبنان وكانت الثانية عقب انفجار المرفأ، أعلن ماكرون أنّه سيعود مجددا إلى بيروت في ديسمبر/كانون الأولفي إطار "آلية متابعة" التقدّم الذي سيتم إحرازه من الحكومة الجديدة.

إلا أنه لم يتضح بعد النكسة التي منيت بها المبادرة الفرنسية، ما إذا كان عازما على المجيء أو عدل عن فكرته.

وخلال مؤتمر صحافي عقده مطلع الأسبوع الماضي قبل اعتذار أديب، حذّر الرئيس اللبناني ميشال عون من أن الفشل في التوافق على تأليف حكومة يعني أن لبنان سيتجه "طبعا إلى جهنم".

ورأى أستاذ العلاقات الدولية في بيروت وباريس كريم بيطار أن لبنان أمام خيارات صعبة أحلاها مرّ.

وقال "إذا لم نذهب إلى جهنم، فقد نشهد تزايدا للعنف وإضعافا للمؤسسات العامة وتفاقما للأزمة الاقتصادية وموجة جديدة من الهجرة".

وأضاف "يمكن للبنان أن يفرغ نفسه من طبقته الوسطى، لينتهي به الأمر مع أوليغارشية متشبّثة بالسلطة ومع إفقار أولئك الذين بقوا في الخلف".