جراء انعدام الغاز المنزلي..

اليمنيون في صنعاء يعودون إلى زمن الحطب

الكثيرون يخشون أن تمتد الأزمة من غاز الطهي إلى الحطب نفسه بعد الزيادة في أسعار الحطب

وكالات (لندن)

عادت مهنة بيع الحطب المخصص للطبخ إلى الواجهة بعد أن اندثرت منذ سنوات طويلة، وعادت العديد من الأسر إلى الطريقة التقليدية في تجهيز وإعداد الطعام بشراء التنور التقليدي الذي يصنع من الطين ويسخن باستخدام الحطب لتجهيز الخبز والطهي، إثر ارتفاع أسعار أسطوانات غاز الطبخ.

منذ أيام، بدأت محطات تعبئة الغاز ببيع الأسطوانة بزيادة نسبتها 40 بالمئة مقارنة بالسعر السابق، لترتفع من 3700 ريال (نحو 9.9 دولارات أميركية) إلى 5400 ريال (14.4 دولار).

يقول إسماعيل أحمد (42 عاما)، عامل في ورشة نجارة ويسكن في صنعاء مع 6 من أفراد أسرته، إن “ارتفاع سعر الغاز شكل أزمة كبيرة، وقدرتي الشرائية ليست كافية.. اليمنيون لم يعد بإمكانهم تحمل أي أزمة جديدة”.

وتابع أحمد، “راتبي الشهري 65 ألف ريال حوالي (173.3 دولار)، وإيجار السكن يبلغ 25 ألفا (66.6 دولار)، ويتبقى لدي 40 ألف ريال، وإذا استهلكت أسطوانتيْ غاز سيتبقى لي أقل من 30 ألف ريال (80 دولارا)، وهذا المبلغ لا يكفيني لإعالة أسرتي طيلة شهر كامل”.

ويتهم السكان وملاك محطات الغاز جماعة الحوثي، المتحكمة في تجارة الوقود عبر موالين لها، برفع الأسعار، غير مكترثة بالأزمة المعيشية التي يكابدها اليمنيون. وقال مالك إحدى المحطات في سوق البونية، وسط صنعاء، مفضلا عدم نشر اسمه لاعتبارات أمنية، إن “موردي الغاز رفعوا الأسعار فجأة”.

رزق من الغابة

وأوضح أن “أغلب موردي الغاز عبر المقطورات هم من الحوثيين، إضافة إلى أن بعض قيادات الجماعة تستثمر في هذا القطاع، وهم من يقفون وراء ذلك بغية الثراء الفاحش”.

وتابع مالك المحطة “الغاز هو مورد محلي يُستخرج من حقول الغاز شرقي اليمن، وكلفة سعر أسطوانة الغاز من شركة صافر (حكومية)، نحو 1026 ريالا (2.7 دولار)، وإضافة إلى أجور النقل فإن سعر الأسطوانة قد يصل إلى 1700 ريال (4.5 دولارات)”. أزمة الغاز دفعت العشرات من الأسر في صنعاء ومحافظات أخرى، إلى شراء الحطب لاستخدامه في الطهي، وقد افترش بائعو الحطب أرصفة الشوارع في مدن عديدة من بينها العاصمة صنعاء.

وفي شارع الحصبة وسط صنعاء تتكوم حزم من الأخشاب اليابسة، ويبلغ سعر الحزمة ألف ريال (2.6 دولار) أو أقل. أم عماد، اشترت حزمة حطب، وقالت “أُرغمت على شراء الحطب، فلم أعد قادرة على شراء أسطوانة غاز الطهي”.

وتابعت “أسكن في منزل مستقل، ما يسهل عليّ أن أستخدم الحطب على سطح المنزل، أمراء الحرب أوصلونا إلى هذه الحال، قبل الحرب كانت أسطوانة الغاز بـ1200 ريال ( 3.2 دولارات)، واليوم ارتفعت إلى 5400 ريال، يعني الفارق 4200 ريال، أين سيذهبون من أرحم الراحمين”.

وتقول أم وضاح، “نعاني منذ ثلاث سنوات من هذه الحرب ومن نقص المواد الغذائية في الأسواق وغلاء الأسعار وفقدان الأدوية التي صارت تباع في السوق السوداء بأسعار خيالية، ومن انعدام البنزين والمحروقات وانقطاع الكهرباء والماء، إلا أن أكثر ما عانيت منه هو اختفاء غاز الطبخ من منزلي، وصعوبة إعداد الطعام بأعواد الخشب، لأنني أقيم مع زوجي وأطفالي الثلاثة في شقة ضيقة، فلولا وجود بعض الجيران الذين سمحوا لنا باستخدام أسطح منازلهم للطبخ لمتنا جوعا”.

أما السيدة سحر البالغة من العمر 50 سنة، فتقول إنها تأتي لشراء الحطب لاستخدامه في الطبخ وإعداد الخبز، وتواصل معلقة، بأن مذاق الخبز يكون أفضل وألذّ عند استخدام الحطب لأنه طبيعي.

ويقول نبيل سعيد إنه لجأ إلى شراء الحطب بعد أن تعب من الوقوف بالتناوب مع زوجته وأطفاله الأربعة في طوابير طويلة لساعات وأحيانا لأيام أملا في الحصول على أسطوانة غاز دون جدوى.

غالبية السكان في العاصمة لا يحسنون التعامل مع استخدام الحطب في الطبخ وطهي الخبز، فهذه الطريقة كانت مرتبطة بحياة الريف والبدو، خصوصا خلال عقود ما قبل السبعينات من القرن الماضي، لكن الضرورة والحاجة جعلتا الصنعانيات مجبرات على تعلمها، حتى لا يمتن وأطفالهن جوعا بعد أن أصبح الغاز المنزلي يباع في السوق السوداء بأسعار لا يقدر عليها معظم اليمنيين.

تجار الحطب

لا يتم بيع الحطب في أسواق محددة، كما هو حاصل في أنشطة أخرى، بل يمكن بيعه في أي مكان، حتى أن حركة البيع يمكن أن تتم في الشوارع الرئيسية في صنعاء، كشارع الستين مثلا، خاصة في ظل قلة حركة السيارات بفعل انعدام الوقود.

تحطيب عشوائي

وتنقل مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو لحزم كبيرة من الحطب تنتشر في أسواق صنعاء وعدد من المدن اليمنية، كما تنقل مشاهد لعدد من الحمير وهي تجلب أكوام الحطب بعد أن أخذ السكان يقبلون على شرائه واستخدامه بديلا عن غاز الطبخ الذي يكاد ينعدم في الأسواق ويكلف إن وجد ثمنا لا طاقة لغالبية الناس على تحمله.

يقول المثل، إن مصائب قوم عند قوم فوائد، فما يعاني منه اليمنيون من نقص وغلاء في أسعار الغاز الطبيعي استغله البعض للعمل في تجارة الحطب والفحم والتنور الفخاري.

عبدالسلام الحضرمي صاحب سيارة نقل البضائع كسد عمله بسبب الحرب وإقامة نقاط التفتيش وأصبح مصدر رزقه مهددا، إلى أن وجد في شراء الحطب من مناطق خارجة عن العاصمة أفضل طريقة لإعالة أطفاله الخمسة.

ويسافر عبدالسلام كل أسبوع إلى محافظة المحويت ويشتري الحطب ويبيعه بالقرب من سوق الحطب بصنعاء، ولكنه مازال يعاني من نقاط التفتيش التي يضطر أن يدفع لها مقابل عدم مصادرة بضاعته بحجة “إهدار الثروة الغابية”.

ويضيف “رجعنا إلى أيام زمان نبيع الحطب، مكاسبه قليلة لكن أفضل من أن نموت جوعا.. أحيانا أتخيل أننا في كابوس.. واستخدام الحطب في منازل صنعاء مستحيل، لكن فعلا هذا ما وصلنا إليه”. ويؤكد أن المواطنين صاروا يشترون الحطب بشكل دائم، ويجدون أن استخدام الحطب في الطهي وصناعة الخبز له مذاق مميز ويفضله الكثير من المواطنين على الجوع.

ويقول معاذ الحرازي “أعمل في تجارة الحطب منذ عشر سنوات، أجلبه من محافظة الجوف وصعده ومديرية الحيمة بصنعاء لأبيعه في أسواق العاصمة لكنني لم أبع طيلة سبع سنوات ما بعته في السنوات الثلاث الأخيرة، وأصبحت لا أستطيع أن ألبي طلبات الزبائن لكثرة الطلبات”.

ويضيف، أن أغلب زبائنه من أصحاب الأفران والمطاعم الذين يشترون بكميات كبيره، لأن الحطب اقل تكلفة عليهم من الغاز والديزل الذي ينعدم لمدة أشهر، فيضطرون إلى شراء الحطب، ويتابع متسائلا “ماذا لو نفد الحطب من البلاد؟”.

وإذا كانت الحرب قد أنعشت تجارة الحطب، فإنها دفعت بالعديد من أصحاب الأفران إلى شراء الحطب بكميات كبيرة ليستمر عملهم. يقول محمد الحامدين، إنه كان يستخدم الديزل لصناعة الخبز ولكنه لم يستطع الحصول عليه أثناء الحرب، فلجأ إلى الغاز وعندما استخدم الغاز كان لا يفي بالغرض، لأن الفرن يحتاج إلى حرارة أشد من حرارة الغاز، ما اضطره إلى شراء الحطب.

فرن الحامدين لا يعمل دائما، فأحيانا يضطر إلى غلقه ليوم أو يومين في غياب الكميات الكافية من الحطب التي يحتاجها لتوفير الخبز، ويقول إن الحطب سينتهي يوما إذا طالت الحرب وسيموت الناس جوعا.

واضطر العديد من مالكي المخابز إلى إغلاق محلاتهم، ليس فقط لشح القمح، بل وكذلك لنفاد مخزوناتهم من مادة الديزل وضآلة ما تزودهم به شركة النفط من المادة اللازمة لتشغيل المخابز.

أما أم بهاء بائعة الخبز في صنعاء القديمة، فتقول “كنت أستخدم تنور الغاز في إعداد الخبز والملوج حيث كان سعره مناسبا والآن قلّ في السوق واختلفت أسعاره ولا توجد أي رقابة على التجار فكل واحد يبيع بالسعر الذي يحدده ، ثم إن عملية البحث الدائمة عن غاز الطهي اضطرتني إلى خيار الحطب، والخبز في التنور الفخاري يفضله الكثير من الزبائن بسبب المذاق المميز″.

إهدار الثروة الغابية

وأصبح التنور الفخاري الذي كان يسوّق إلى القرى، سمة للمدن اليمنية حاليا ومنها صنعاء ويقول أحد التجار، إن بيع التنور كان يقتصر على القرى فقط أما الآن فقد أصبحت أغلب البيوت في المدن تستخدم التنور الفخاري المصنوع من الطين. وكانت أسعار التنور الفخاري تتراوح بين 2500 و3500 ريال حسب الحجم، أما الآن فيصل سعرها إلى ما بين 5 آلاف و9 آلاف ريال وذلك بسبب ارتفاع أسعار الغاز.

مخاطر البيئة

أزمة اليمنيين لم تتوقف عند شراء الحطب، فقدرة بعض اليمنيين الشرائية المعدومة أجبرتهم على قطع أشجار تزيّن بعض شوارع العاصمة، وواجهات المنازل. وقال خليل الحرازي، وهو طبيب أسنان “أحد جيراني طلب مني السماح له بالاحتطاب من شجرة عملاقة أمام منزلي، للاستفادة من أغصانها لإيقاد النيران.. لم ولن أسمح له، فهذه الشجرة موجودة منذ زمن طويل وأعمل على العناية بها”.

وقال سكان في صنعاء إن عددا من الأشجار المزروعة في شوارع العاصمة وفناء الجامعة الحكومية (وسط) تعرضت للاحتطاب من قِبل السكان. تقول إدارة الغابات ومكافحة التصحر بوزارة الزراعة اليمنية إن انعدام وارتفاع أسعار الغاز أدى إلى زيادة التحطيب بشكل كبير وإلى تصحر مساحات واسعة من الأراضي اليمنية، حيث إن نسبة التصحر في اليمن وصلت إلى 95 بالمئة من إجمالي الأراضي اليمنية.

وفي البوادي والأرياف يقتلع اليمنيون الأشجار والشجيرات الصغيرة من جذورها بشكل عشوائي لاستخدامها حطبا في منازلهم أو لبيعها للتجار، فمثلا أشجار الطلح وهي الأشجار المناسبة للتحطيب يفترض تشذيبها وقطعها من الأغصان وهذه أفضل طريقة، لأنها تساعد الشجرة على النمو بشكل كبيرة.

ويؤكد الخبراء أن الآثار المترتبة على التحطيب تتمثل في زيادة التصحر وارتفاع درجة الحرارة وتغير المناخ، ويهدد أيضا جميع الكائنات التي تتواجد في منطقة الغطاء النباتي ويؤدي إلى انقراضها، إضافة إلى أن الأشجار تحافظ على التربة من الانجراف، ووجود ارتباط كبير بين تواجد الأشجار وارتفاع منسوب المياه الجوفية.

ويقول هؤلاء إن الحاجة التي تدفع اليمنيين إلى التحطيب الجائر لا تجعلهم يعون بمدى خطورة ما يفعلون، فالأراضي اليمنية أراض ذات غطاء نباتي ضئيل وأشجار قليلة ما يعني أن الاحتطاب سيشكل خطرا بيئيا على الغابات القليلة في الأرياف والمنتزهات وأشجار الشوارع في المدن.