الجزء الأول..

تزاوج الصهيونية والإستبداد عند العرب

ظهرت في الفترات الأخيرة قضايا تمثل خطراً جسيماً على الأمة العربية كالإلحاد والإنحلال الأخلاقي والفكري العام وأن هذه القضايا لم تقتصر على فئه أو طائفة بعينها وإنما شملت كل الفئات والديانات على حد سواء في الأمة العربية ، ويلتحم مع ذلك آسي من رئيس (عربي ) يقف في أوروبا كارهاً ولاعناً حقوق الإنسان للمواطن العربي مؤكداً بلهجة إحتقارية أن العرب ليسوا كأوروبا في حضارتها وثقافتها وعلومها ، ومن ثَم لا حقوق للعرب، وهو ما يطرح عدة تساؤلات :- من هو المسئول عما يحدث في العالم العربي ؟ وما هو الدافع إلى أحداث خلل داخل العقلية العربية ؟ ومن هو المستفيد من تشويش الشباب العربي ؟ ولماذا حل التخلف والتراجع الحضاري بالعرب ؟ وكيف يكون المخرج لهذه الأمة قبل السقوط   في الهاوية ؟
في البداية إصلاح وتغيير حال أي أمة يبدأ من شبابها وأن دمار وإنهيار أي أمة يبدأ بإفساد شبابها وتشويه أفكارهم ومعتقداتهم ومن هنا نقول أن أعداء الأمة العربية والإسلامية في الماضي كانوا يُعرفون بمصطلح ( الإحتلال ) أو (الإستعمار ) أو ( القوى الإمبريالية ) والتي اتخذت من السيطرة على الدول الضعيفة والفقيرة وسيلة لنهب خيراتها وتدمير تراثها الحضاري والثقافي متخذة  في ذلك نهجاً قائماً على المواجهة العسكرية لخدمة أهداف اقتصادية أو دينية فيما عرف ( بالإحتلال المباشر ) .
ومن عقود تطور أسلوب القوى الاستعمارية في المواجهة إلي أسلوب ( الإحتلال غير المباشر ) متخذين من الغزو الثقافي والاقتصادي وتدمير القيم المجتمعية للدول المستهدفة هدفاً بتشويش المكون الفكري والثقافي والعقائدي واللغوي والتشكيك في الموروث الحضاري لهذه البلدان وهوما يمكنهم من تحقيق السيطرة على هذه الدول .
وظهر مصطلح ( الصهيونية ) كأحد أهم هذه الأساليب للتمكين من الإحتلال غير المباشر وتنفيذ مخططات القوى الاستعمارية لتفريغ هوية الأمة العربية والعبث في عقول القوى المؤثرة فيه والقادرة على المواجهة وهم ( الشباب ) بكل انتماءاتهم واتجاهاتهم وآرائهم وأفكارهم ولكونهم الأكثر عدداً في الكثافة السكانية العربية وهم الفئة التي تمتلك إحداث التغيير لذا هدفوا بشكل دائم للسيطرة عليهم والتحكم في عقولهم وإفساد عقيدتهم وأخلاقهم وتشويه الموروث الحضاري لبلدانهم مستخدمين دعماً مادياً وأدبياً يبدو أكثر مدنية تحت شعارات ناعمة وجذابة .
وقد ظهرت الصهيونية كتصور سياسي ديني بين بعض المسيحيين المتطرفين من البروتستانت والذين نادوا بضرورة عودة اليهود إلي فلسطين إعداداً للخلاص المسيحي ، وتطورت الفكرة بانضمام أثرياء اليهود إليها متأثرين بالتغيرات السياسية في أوربا علي أثر الثورة الصناعية في القرن السابع عشر وما تبعها من تطور للمشروع الاستعماري الغربي في القرن الثامن عشر ، وتحولت إلى حركة يهودية تهدف إلى الإستيطان بمؤتمرها الأول بمدينة بازل السويسرية عام 1897م ، ثم انطلقت كحركة قابله للتنفيذ في نهاية حكم الدولة العثمانية للعالم العربي وبصدور وعد بلفور عام 1917م ضمنت الحماية من القوى الاستعمارية الكبرى في الغرب وبمساندتهم اكتملت المخططات الاستعمارية بأنشاء وطن قومي للصهاينة قائم علي التوسع والعنصرية بإحتلال دولة فلسطين العربية عام 1948م .
ومن أجل بقاء الصهيونية وتحقيق مشروعها كان حتماً إيجاد أدوات لتنفيذ مخططاتها ولذلك أنشأوا :- رابطة اليهود الإصلاحيين في أمريكا ، الجمعية الوطنية اليهودية ، منظمة المرأة الصهيونية ، الإتحاد النسائي اليهودي                        وتفرع منه :- منظمة بنات أيوب – ومنظمة قوس قزح ، وذلك غير أندية الليونز وأندية الروتاري ، وجمعية أبناء العهد ، ومنظمة إيباك والتي تمثل اللوبي الإسرائيلي الأكثر ضغطاً في الولايات المتحدة الامريكية ، بالإضافة إلى توظيف المسئولين عن العرب لخدمتهم بخلق حالة من التزاوج بين الصهيونية والإستبداد ، فكلاهما نشأ بطرق غير مشروعة ، وكلاهما يسعي للبقاء بأي وسيلة .
ويتم ذلك بترويج القبيح فقط من الثقافة الغربية ببث ثقافة الشذوذ الفكري والأخلاقي وإدمان المخدرات والخمور والعنف والقتل الغير مبرر من خلال فضائيات تخدم أهدافهم وفضائيات أخرى تبث خصيصاً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، والتوسع في نشر المدارس الدولية والجامعات الأجنبية والتي لا تخضع بشكل تام في إدارة سياساتها التعليمية للبلدان العربية ، مع استخدام إعلام مضل يبث سمومه بأيدي عربية معززاً الصراعات السياسية والعنصرية  والطائفية والقبلية ، وإلصاق الإرهاب بالإسلام وتجاهل الفصل بين سلوك الشخص المتطرف فكرياً وسياسياً ودينياً وبين الدين كقيمه ومنهج والإبتعاد نهائياً عن وصف أي دين غير الإسلام بالإرهاب على الرغم من إمتلاء التاريخ اليهودي والمسيحي بجماعات دينية متطرفة وإن وقع حادث إرهابي منهم حالياً فهو ( جريمة وعنف ) يهدف لتحقيق أغراض سياسية .
وإغراق الشباب في قضايا قد حسمت من عقود بأسس دينية وعلمية ( كحرية الإعتقاد الديني والحرية الجنسية والإجهاض والنقاب والحجاب وإضطهاد المرأة والخلط الدائم والمستمر بين هذه القضايا والحريات الشخصية في الإسلام وتصوير الإسلام على أنه عدو للحرية الشخصية ) ، ودعم ذلك غياب الدور الديني للجهات الدينية الرسمية في الدول العربية وأمتد الأمر بطرح فتاوى وأراء متضاربة وبغيضة تصدر بقصد وعمد. 
والهدف الأجل والأسمى لهذه الكيانات هو تفتيت الوحدة العربية وزرع الخلافات العقائدية والمذهبية والقبلية   والحدودية بين الدول العربية بعضها البعض ، والتوسع في أن تكون هذه الخلافات داخل الإقليم العربي الواحد معتمدين على أنظمة حكم فقدت شرعيتها ومشروعيتها بالإرتماء في أحضان الغرب معادية لأبناء وطنها وصلوا ببلداتهم إلى مرحلة الدول الفاشلة . 
وأني لا أحمل العدو الصهيوني كل آثار الهوان الذي حل بالشعب العربي وحدة ، ذلك أن الهوان قد دب في هذه الأمة قبل نشأة إسرائيل ولكن ما أوصل العرب إلي مرحلة الاضمحلال الحضاري هو الحكام العرب أنفسهم فهم حملان أمام أعداء الأمة أسود علي شعوبهم وأن الحكم من منطق ( الجوع والخوف والجهل ) هو شعار الحكام العرب منذ نشأة إسرائيل في 1948 مدعمين نظرية ( أن الجائع لا يبصر من إمته إلا بطنه ، والخائف لا يبصر من إمته الا أمنه ، والجاهل لا يبصر من إمته إلا الخرافة والدجل ) ، بالإضافة لتعمد إبعاد الناس عن الدين والأخلاق والعلم ليصبح الإنسان خاوياً مما يسهل تشكيله وتوجيهه بالتحكم في عقله من خلال احتياجاته وغريزته . 
وأن ما ذكرته ليس إدعاء أو إفتراء ولكنه جزء من مخطط يُحاك للعالم العربي مستدلاً بكتاب ( الغارة على العالم الإسلامي – تأليف / ألفريد شاتليه وترجمة / مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب ) ، وكذلك كتاب ( حصوننا مهددة من الداخل د/ محمد محمد حسين ) ، وكذلك كتاب ( أباطيل إسرائيل وأكاذيب الصهاينة – تأليف / إبراهيم أبوداه ) وتحدثا عن وقائع المؤتمرات التبشيرية والاستعمارية  في بداية القرن العشرين ويوضح أن إنحراف المسلمين عن أصول دينهم بطريق إختراق التعليم أكثر من تحولهم تماماً عن الدين واعتبار هذا مؤدياً للغرض وأن الصهيونية نتاج انحراف تام عن تعاليم الديانة اليهودية ، وأيضاً كتاب ( هزيمة الأيديولوجية ) للجنرال مايكل فلاين مستشار الأمن الحالي للرئيس الأمريكي ترامب والذى قال ( إن كل ما يحدث في العالم العربي ليس كافياً وأنه يجب التوسع في تشويه الإسلام كيفما صنعنا مع الشيوعية والنازية وأن هزيمة الإسلام تكمن في إفساد أيديولوجيته ) والمقصد في ذلك إخراج الشباب العربي من العقيدة ووضعه في حالة صراع نفسي وفكري دائم بين واقعه السياسي وبين القيم الفكرية والاخلاقية والدينية والمحصلة إضعاف قدرة المقاومة لدى الشباب بنزع الولاء و الانتماء منهم سواء كانت ولاءات وانتماءات للتراب والأرض أو للعقيدة فهو الطريق الأسلم لتهيئة الأجواء نحو استكمال المشروع الاستعماري لإسرائيل الكبرى .
وفى حقيقة الأمر فإن الشباب العربي هم ضحايا لفساد حكام العرب بتركهم فريسة لأعداء الأمة في الخارج وموتى في الداخل أمام أنظمة إستبدادية تريد أن تجعل منهم مسخاً لاحول لهم ولا قوة كيفما صنعوا في آبائهم وأجدادهم ، متجاهلين عوامل إختلاف الزمن والتعليم والثقافة والتكنولوجيا التي جعلتهم في حالة رفض للواقع العربي غير قادرين على استيعابه أو قبوله ، وبدلاً من النقاش والحوار من أنظمة الحكم العربي مع الشباب ومحاولة إيجاد سبل للحل كان الحل الأمني الوحيد صاحب الصوت الأعلى بيد هؤلاء الحكام المستبدين فخلق حالة من الإستهجان للشباب العربي ليجد نفسه دائماً غير مستحق لهذا المصير من واقع سياسي فاسد وواقع اجتماعي مهين ومذل لا يحترم أدميته أو إمكانيته أو قدراته ، وأن هذه الأنظمة التي توالت علي حكم البلدان العربية في العصر الحديث ساعدت في تعزيز بقائها بسوء تردي الأوضاع من فقر ومرض وجهل لشعوبهم وإفساد مفهوم العدالة بشكلها العام والمجرد ، بالإضافة لغلق الأفق العام للتغيير وقتل آمال وطموح الشباب في المستقبل بإفساد ضمائر ونفوس الكثير من الناس والدفع بنخبه مشوهة فكرياً وأخلاقياً كل ما تقدمة كذب ونفاق وتضليل للرأي العام لخدمة من استحوذوا علي مقدرات بلادهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية من العجائز سناً وفكراً احتكروا الحكم في فئات بعينها وعائلات بأسمائها قتلت الديمقراطية وسبل التداول السلمي للسلطة وهو ما خلق حالة من الموت العام في كل شئون العالم العربي  .                                                                                                                                                        وللحديث بقية في الجزء الثاني