هيكلة الشرعية اليمنية

طُرح ضمن ملتقى ابوظبي الاستراتيجي 2017م الذي نظمه مركز الامارات للسياسات استشرفاً لحل الأزمة اليمنية فمنذ ابريل 2016م لم تتغير الخارطة العسكرية في اليمن إطلاقاً، بل أننا أصبحنا على مدار أشهر نعيش تحرير المُحرر أي تحرير المناطق التي كانت قد حررت ما قبل ابريل 2016م وهذا ما حدث في باب المندب وميدي والجوف وصرواح، الجمود العسكري يراوح مكانه تماماً كما هو الجمود السياسي الذي لم يتزحزح بعد فشل مباحثات (الكويت2) بين الفرقاء اليمنيين بعد سلسلة طويلة من اللقاءات بدأت في جنيف وانتهت بفشل في الكويت.

 

من الأهمية بمكان الإقرار أن النظام الجمهوري اليمني يستمد سلطته من الدستور والبرلمان، هذه السلطة السياسية هي المؤسسة الشرعية العُليا، ومع هذه المؤسسة جاء بكل ثوابتها الوطنية جاء الانقلاب في سبتمبر 2014م ليُسقط الدولة كمؤسسة لا كأفراد يمثلون هذه المؤسسة، لذلك خرج الانقلابيين الحوثيين بما سُمي بالإعلان الدستوري فالشرعية هي دستور وبرلمان وطني حصل عليه انقلاب طرف من الأطراف السياسية.

 

حمل الرئيس هادي (رمزية) الشرعية مع حكومة الكفاءات التي كانت تمثل آخر ما أمكن الوصول إليه من التوافق الوطني بين القوى السياسية، وبعد عام من انطلاق عاصفة الحزم قرر الرئيس هادي التخلص من حكومة الكفاءات والاكتفاء بالرمزية السياسية التي يمثلها، حجة الرئيس كانت أن حكومة بحاح فشلت في توفير الخدمات للمحافظات المحررة، مُررت تلك الحُجة على أصحاب المصلحة من هذا التغيير في التركيبة (الوطنية والشرعية) ولم تمر على آخرين كانوا ومازالوا يؤمنون أن الشرعية هي مؤسسة وطنية عريضة شاملة جامعة لكل الوطن وأبناءه.

 

ما لايقل عن خمسة مليارات دولار قدمت للحكومة اليمنية من مساعدات سخية قدمها مركز الملك سلمان للاغاثة الانسانية والهلال الأحمر الإماراتي، وبلغة الأرقام فأن مبيعات النفط من حضرموت تجاوزت 800 مليون دولار من يناير وحتى اكتوبر 2017م، يضاف إلى إيرادات منفذ الوديعة الحضرمي، والإيرادات الضريبية من المحافظات المحررة، حتى طباعة مليارات الريالات اليمنية في روسيا بدون غطاء للنقد الأجنبي، كل هذه الإيرادات والمعونات ليس لها وجود على أرض الواقع فالعملة اليمنية توشك على الانهيار الكامل، وانعدمت المشتقات البترولية، هذه نتيجة سياسات قادتها الحكومة دون أن تكترث بأهمية المرحلة وأبعاد أخطاءها.

 

تعيش الدبلوماسية اليمنية حالة من الغيبوبة فلا نراها إلا في تعيينات ذوي القربى، ولطالما كانت الدبلوماسية واحدة من أهم المؤسسات التي تصنع الفوارق في الأزمات، فعندما كان الشيخ صباح الأحمد وزيراً للخارجية الكويتية قاد واحدة من أكثر المراحل المهمة التي عرفتها بلاده بعد غزو العراق للكويت في العام 1990م، لم يترك عاصمة من عواصم أوروبا إلا وكان له فيها تأثير حقق به قرارات دولية وضعت تلك العواصم ككتلة واحدة مهمتها تحرير الكويت، في اليمن لا شيء من ذلك يحدث فكل ما يفعله رأس الدبلوماسية ترديد كلمات مستهكلة (نؤمن بالحل السياسي وفقاً للمرجعيات) ولم نجد له موقفاً حتى عندما تتعرض السعودية والامارات لضغوط سياسية لا نجد للدبلوماسية اليمنية أثر يذكر.

 

الترهل الذي أصاب جسد الشرعية اليمنية واحد من عقبات حسم المعركة وإتمام الإجهاز على الانقلابيين الذين وجدوا في فشل الشرعية قدرة في الاعتداء السافر عن طريق إطلاقهم للصاروخ الإيراني على العاصمة الرياض، فلولا فشل الشرعية ما تمادى الحوثيين وتوسعت عملياتهم العدائية، وهذا يعزز من أهمية إعادة هيكلة الشرعية لتجاوز المنطقة واحدة من أزماتها.

 

بالمقارنة بين ما تحقق قبل ابريل 2016م وما بعد ذلك حيث تجمدت الجبهات العسكرية وتغّول الفساد في كل أجزاء الحكومة مما أثر على الآداء مما استصعب معالجة تردي الخدمات الأساسية وتحولت عدن إلى مدينة فاشلة بدلاً من أن تكون مدينة ناجحة وتمثل نموذجاً جاذباً لاستدامة الاستقرار والأمن والتنمية وإطلاق عجلة الإعمار، كل هذا لم يحدث ولن يحدث فالشرعية المخترقة من اخوان اليمن وكذلك من المنتفعين والفاسدين، وهنا لابد من تدخل جراحي يعمل على تغيير أجزاء رئيسية في جسد الشرعية لتتخلص من الأمراض التي أصيبت بها، هذه الهيكلة أو التقويم أو الترميم أو أي لفظ اصطلاحي يؤدي إلى أن تتوافق الشرعية مع المرحلة السياسية التي تقودها السعودية بمشاركة الامارات غايتها إعادة المؤسسة الدستورية وإسقاط الانقلاب على تلك المؤسسة وإتمام المرحلة السياسية باستكمال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.