حامد الكيلاني يكتب:

كل الطرق تؤدي إلى إسقاط النظام الإيراني

مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون يصف إيران بالمصرف الدولي للإرهاب، لكن رغم ذلك يقول إن الولايات المتحدة لا تسعى لإسقاط النظام إنما لتغيير سلوكه، وبولتون يشير إلى إن نقطة انطلاق الإرهاب والتطرف في العالم كانت مع استلام الخميني للسلطة في فبراير سنة 1979.

في تلك السنة احتل الاتحاد السوفييتي أفغانستان، والصلة بين متغيّرات السياسة في البلدين المتجاورين وما تبعها من تطورات وصراعات متسارعة أدت إلى إِشعال فتيل الحرب الإيرانية العراقية في 4 سبتمبر 1980 بقصف مدينة خانقين بالمدفعية بما تسبب في نزوح المدنيين منها مع سقوط قتلى وجرحى بين صفوفهم، عدا عن الأحداث الدامية في بغداد قبل ذلك التاريخ، التفاصيل مازالت حاضرة في ذاكرة من تعايش مع تلك الفترة، إضافة إلى قصف المخافر الحدودية المتكرر ومذكرات وزارة الخارجية إلى الأمم المتحدة الموثقة بتوقيتاتها ومواقع الاعتداءات.

كانت مدينة قصر شيرين الإيرانية المحاذية للحدود والتي تقابل مدينة خانقين قد اشتهرت عند العراقيين، إذ أصبحت إذاعتها النشطة مصدر تقارب وتحابب بين شعبي البلدين لاعتمادهما على التواصل مع مستمعيها وبث ما يسعدهم من الأغاني الإيرانية والعراقية ملبية طلبات مستمعيها من إرسال صور المشاهير والهدايا الخاصة والمعلومات الفنية والسياحية إلى العناوين الخاصة عبر البريد، ولم يكن ينافس تلك الإذاعة سوى إذاعة مونت كارلو الشهيرة حين ذاك، وإذاعة قصر شيرين روجت للفنانين الإيرانيين في العراق ونتج عنها إقامة حفلات غنائية كبرى في بغداد.

لكن إذاعة قصر شيرين ومع مجيء الخميني تحوّلت إلى مقر مخابراتي لبث الفرقة والعداء داخل صفوف الشعب العراقي وبين الشعبين الجارين ثم تحولت المدينة إلى منطلق للعدوان السافر في 4 سبتمبر لتكون رمزاً لحرب دامية استمرت ثماني سنوات كلفت العراق وإيران الأرواح والثروات والمستقبل أيضاً وبددت استقرار المنطقة.

احتلال العراق كان مقرراً منذ اليوم الأول لوصول الخميني على متن طائرة أقلته من باريس، وكان الاحتلال هدفاً لم تتخل عنه ولاية الفقيه، الى أن تحقق ذلك بالاحتلال الأميركي للعراق في أبريل 2003.

العراق خلال فترة العدوان من 4 سبتمبر إلى 22 سبتمبر 1980، أي طيلة 18 يوماً استمر في توثيق الاعتداءات الإيرانية على الحدود مع تحذيره لإيران وللمجتمع الدولي من نتائج التجاوزات على سيادة العراق في خروقات فاضحة للقانون الدولي، ولأن المدن الآهلة بالسكان داخل الحدود العراقية قريبة من الحدود الإيرانية ومن مدى المدفعية قرر العراق وبجرأة الرد على العدوان والتوغل إلى مسافات معلومة ومحددة داخل العمق الإيراني لأخذ المبادرة ومنع احتلال مسافات واسعة من العراق في حال أقدمت إيران على شن هجومها الواسع المرتقب والواضح الأهداف تماماً والتي صارت واقعاً بعد الاحتلال الأميركي في الحياة السياسية والاجتماعية لشعب العراق.

اعتقد الخميني وقيادته أن مجرد وصوله إلى السلطة بصفته العقائدية ستوفر له الملايين من الأتباع داخل العراق، وأن الطريق إلى احتلال النجف وكربلاء والعاصمة بغداد أصبح معبّداً بمجرد نجاح ثورته في طهران؛ غير أن رهانه على العملاء زج به في متاهة الحرب مع العراقيين الذين استبسلوا في الذود عن حدودهم، وفي مقدمة هؤلاء أبناء الجنوب حيث لا أحد يزايد عليهم في تجربة حب الوطن والموت في سبيله، بل إنهم كانوا جزءاً مهماً من المقاتلين الذين أذاقوا القوات الإيرانية الغازية دروساً أدت إلى استسلام الخميني وتجرعه السم لقبول وقف إطلاق النار مع العراق.

مقولة الخميني هذه بحد ذاتها إدانة صريحة لعدم رغبته إنهاء الحرب حتى يتم له تحقيق مآربه في نشر فتنته التي لم تلق لها صداً إلا بالاحتلال الأميركي للعراق، كما أن تجرع السم بمضمونه كان اعترافاً لصمود العراقيين في مواجهة العدوان وفشل مخططه في تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني للعراقيين.

أما عذر استسلامه لتدخل قوى الاستكبار العالمي فلن يتعدى ما دأبت القيادات الإيرانية الاعتماد عليه ومازالت في التظلم لإنقاذها من المآزق الكبرى ومن القرارات التي تحد من نشاطها الإرهابي وتمدده وما يؤخر تبشيرها بفتنتها المذهبية، حيث اتسعت لتتعدى نطاق المنتمين إلى المذاهب الإسلامية الى التوغل في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية بوسائل منظمة في الجريمة والإرهاب وتهريب المخدرات وغسل الأموال من أجل أحلام وغايات تبدو أنها أودت أولاً بالشعوب الإيرانية ومعها شعوب المنطقة وأمن العالم الذي ينتظر منها المزيد من المآسي بسبب مهادنة النظام.

نائبة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار وعلى ضوء التداعي الحر للاقتصاد الإيراني بعد فرض العقوبات على النظام، سارعت إلى تشجيع العملاء في العراق لتأييد مطالبها بتعويضات اختصرتها بمفردة “الأضرار البيئية” للحرب العراقية الإيرانية تزامناً مع ورطة العبادي في تصريحه بالالتزام بالعقوبات ولو في جزئية معينة؛ كانت فرصة للسياسات الميليشياوية لتمكينها من قطع الطريق على أي حكومة مقبلة لمنعها من الالتزام بمصالح العراق أو تسكيتاً مسبقاً لكل من يتحدث من الساسة عن علاقات دولية متوازنة مع إيران.

مقولة الخميني بحد ذاتها إدانة صريحة لعدم رغبته إنهاء الحرب حتى يتم له تحقيق مآربه في نشر فتنته التي لم تلق لها صداً إلا بالاحتلال الأميركي للعراق

بالون السيدة معصومة ابتكار زاود عليه بعض العملاء في العراق مطالبين بتعويضات شاملة رداً للدين الإيراني في عنق حكام عراق اليوم.

تعويضات “الأضرار البيئية” وراؤها غايات تتعلق بالجفاف وبتدوير السياسات المائية واحتمال مقايضة الماء بالسلع أو بجزء من عائدات نفط العراق كسراً للعقوبات المفروضة على إيران، ولتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة تأكيداً على قدرتها إرباك المشهد السياسي في العراق بمزيد من الضغط الذي دفع بزعامات أحزاب وتحالفات وكتل إلى مطالبة الولايات المتحدة باستثناء العراق من تطبيق العقوبات، بما يعني تحويل العراق الى سوق إيرانية بكامل الصلاحيات والخدمات كطرف أو وسيط في التعاملات الدولية، كما أن إعادة طرق موضوعة التعويضات يمهد لتفاعلات سياسية في تشكيل الكتلة الأكبر واختيار رئيس الوزراء وفق إرادة الولي الفقيه.

الأحزاب الطائفية وميليشياتها مع جميع طروحاتها في تشكيل الكتلة الأكبر، سياسية أو وطنية أو عابرة للطوائف، إنما يراد منها توزيع الكتلة الطائفية على أكبر مساحة من مقاعد البرلمان لتكون المحصلة ربما أشد وقعاً وفتكاً بالقرار الوطني العراقي، إن وجد له مكان.

التجارب الطويلة علمتنا أن العراق من الاستحالة أن ينهض إلا بزوال النظام الحاكم في إيران، لأن العقدة في العراق ودول المنطقة وثيقة الصلة بولاية الفقيه ومنهجها في تصدير الثورة، أي تصدير العقيدة والفتنة والموت والتخريب الى كل زاوية في أمتنا العربية كمحطة مباشرة ولنشر فقه الولاية بمرادفات الإرهاب الى الإنسانية.

على كل حال، انتشار القوات الأميركية في سوريا وتزايد أعداد المقاتلين ومناقلتهم بين العراق وسوريا وتوافد أعداد منهم إلى المطارات والقواعد الأميركية الصغيرة في العراق مع ما يجري في الداخل الإيراني من هلوسة النظام على وقع العقوبات والاحتجاجات، يعيد لنا حقيقة ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون قبل توليه منصبه الرسمي حتمية الهجوم العسكري على إيران لإنهاء الإرهاب في العالم.

النظام الإيراني وانكشاف إرهابه وخلاياه النائمة، وعملياته الإرهابية، ودعمه للتنظيمات المتطرفة، وتوجيه التهم للدبلوماسيين الإيرانيين في الخارج، مع أصداء العقوبات، ودور المقاومة الإيرانية وما ينتظر منها، وسقوط هيبة نظام المرشد الولي الفقيه عند الإيرانيين، يضاف إلى ذلك هزيمة النظام أمام العراق وتجرع الخميني للسم، وتهويل القوة الإيرانية وتضخيمها، وربط بقاء القوات الأميركية في سوريا بوجود داعش والميليشيات الإيرانية؛ كل ذلك لن يدع مجالاً لتقبل فكرة إصلاح النظام الإيراني لسلوكه، لأن السياسة لديه بعض من عقيدته في نشر الإرهاب.

ثمة وجه آخر للحرب والصراع يبدو جلياً في العراق وفي تصريحات بولتون حيث غاطس القرار الأميركي بإزالة النظام إن بآثار العقوبات أو بمناوشات الحروب غير المتوازنة بنتائجها الكارثية على إيران والتي يهدد بها الحرس الثوري والجنرال قاسم سليماني في أيامه الأخيرة؛ وبإعادة التفاهمات الأميركية مع روسيا على مجمل مشاكل المنطقة ومشاكل روسيا أيضاً.