حمد الكعبي يكتب:

المحتوى لن يموت!

لن ينتهي الجدل في مستقبل الطباعة والنشر، حتى يتوقّف هدير آخر مطبعة في العالم، وتستقر في المتاحف إلى جانب ما تبقّى من ورق وحبر ورائحة قديمة، تروي تاريخاً عمره أكثر من 570 عاماً، عندما اخترع الألماني يوهان غوتنبرغ نماذج نافرة للحروف في العام 1447.
حتى ذلك التاريخ، فإنّ أفكاراً وقواعد أساسية لن تنقرض أبداً، أهمها المحتوى، والدقة والحرفية في صناعته وتسويقه، وهذا الأساس لا غنى عنه لوسائل الإعلامِ كافةً، بصرف النظر عن كونها «تقليدية»، أو رقمية، ثم يكون ما يكون من حديث عن إغلاق الصحف، وانتهاء الكتاب المطبوع، والضغط على المنصات لتواصل مهمة توفير المحتوى الجذّاب، وقد بات لديها كل هذا الترويج الهائل في الاتصال الاجتماعي، بينما عشنا قروناً لا نجد فيها منافذ للانتشار سوى سيارات التوزيع، والأكشاك والمكتبات، وهذه يستطيع موقع مثل «انستغرام» اختصارها جميعاً بسهولة متناهية الآن.
النقاش طويل، لكنه ممتع، خصوصاً أن آخر مداولاته كان في الشارقة أمس. الإمارة الباسمة التي تضيف إلى مشهدنا الثقافي في الإمارات كثيراً من الإبداع والتنوع والفن، وذلك باهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، وهو مؤرخ وقامة فكرية وأدبية كبيرة، حاضرة بفاعلية وقوة في الحياة الثقافية في الدولة، والعالم العربي، فضلاً عن أنّ سموه يحظى بمكانة مستحقة لدى المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث العلمي البارزة في العالم.
النقاش في الشارقة كان في إطار «ملتقى قادة الإعلام العربي الخامس» الذي تناول محاور أخرى، تتعلق بصناعة الإعلام، والمسؤولية الاجتماعية وغيرها، إلا أنّ تحديات الصحافة الورقية، والتبشير باقتراب نهايتها ظل أساسياً في لقاءات زملاء المهنة، بين مَن كان متأكداً أن الصحف والكتب ستعيشان طويلاً، وبين مَن يحلل الخسائر المالية، بعد توجّه القرّاء والمعلنين إلى المنصات الرقمية.
مرة أخرى، فإن المحتوى الذكي غير مهدّد بالانقراض، أما وسائل القراءة والمشاهدة والاستماع، فظلت تتطور سريعاً على مدى أكثر من خمسة قرون، وصولاً إلى الثورة التكنولوجية الراهنة،

والشاهد أنّ الصحيفة الورقية أداة رئيسية للقراءة حتى الآن، واستطاعت أن تلتقط شبكة الإنترنت، وتوفر من خلالها وسيلةً أخرى للمعرفة، وهي لا تزال تجذب الإعلانات التجارية، وإنْ على نحو أقل من السابق، ولديها أرقام توزيع جيدة، بالنظر إلى شراسة المنافسة الرقمية، كما أنّ العلاقة العاطفية بين القارئ والورق المطبوع لا تزال حميمة.

المحتوى لن يموت. الوسائل تعيش أقل، لأنها محكومة بالتطور، وحتى سيادة التواصل الاجتماعي على الشبكة والأرض مرشحة للتراجع والضعف في المستقبل القريب، لتحلّ أدوات ووسائل أخرى، وذلك قانون الحياة..