د. محمد أبوسمره لـ(اليوم الثامن):

وداعاً القائد الفتحاوي الفارس الشهم (أبو فتحي)

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).. ( سورة البقرة 218)

رحل منتصف الليلة الماضية 4/1/2019 في الكويت ، ، بعد صراعٍ طويل مع المرض والمعاناة القائد والمناضل الفلسطيني الفتحاوي العتيق ، وكذلك الكاتب والمؤرخ والمفكر الفلسطيني ، الصديق الأخ العميد / الحاج درويش مصطفى عبدالنبي ( أبوفتحي ) ، وتم تشييع جثمانه الطاهر في دولة الكويت الشقيقة إلى مثواه الأخير، وكان قدر الله تعالى له ، أن يعيش غريباً ، ويموت غريباً ، ويدفنُ غريباً .. وهومن مواليد سنة 1944 ، في مدينة اللد الفلسطينية المحتلة عام 1948، وعقب نكبة عام 1967  تعرَّف إلى أمير الشهداء أبوجهاد / خليل الوزير( رحمه الله )، وكلفه بالذهاب إلى الكويت ، التي شهدت ولادة النواة الأولي لحركة فتح والثورة الفلسطينية المعاصرة ، وهو حاصل على ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب في جامعة بيروت العربية ، وعمل في الكويت مدرساً في مدرسة التوحيد الإسلامية ، وقد تفرغ بتعليمات من الزعيم الخالد الشهيد أبوعمار/ ياسر عرفات ( رحمه الله تعالى ) ، ومن أمير الشهداء أبوجهاد / خليل الوزير( رحمه الله )، سنة 1970 للعمل في حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وتولى مسؤولية مدير دائرة التربية والتعليم في منظمة التحرير الفلسطينية ومدارسها بالكويت ...

رحل الشهيد البطل درويش عبد النبي بصمت ، وهدوء ، وهو الذي شهدت له كافة ساحات العمل الوطني الفلسطيني بالتضحية والعطاء والبطولة والثبات ، وهو أيضاً عضو المؤتمر العام لحركة فتح ، ومعتمدها السابق في الساحة الكويت ، وكذلك كان لسنوات عديدة رئيساً للجالية الفلسطينية في الكويت ، وهو أيضاً له الباع الطويل في العمل الخيري منذ سنوات عديدة وبعيدة ، وتقديم الدعم لأهلنا وشعبنا في الوطن المحتل ، ورَفَدَ قطاع غزة بقوافل الاغاثة والدعم ، أثناء وعقب الحروب والاعتداءات الصهيونية المدمرة ضد القطاع ، وذلك عبر العديد من الجمعيات والهيئات الإغاثية الفلسطينية الكبرى في القطاع ، وعبر الهيئات الإغاثية الكويتية التي لم تتوانى أبداً عن تقديم الدعم والمساندة الدائمة لشعبنا الفلسطيني . ومنذ تأسيس السلطة الفلسطينية ساهم أيضاً وعبر الهيئات والجمعيات الخيرية والإغاثية الكويتية والفلسطينية ، في تسيير قوافل الإغاثة وتقديم مختلف أشكال وأنواع الدعم العيني والمادي للعائلات والأسر المحتاجة والمتضررة والمستورة في الضفة والقطاع والقدس المحتلة ، وفتح للعديد من الجمعيات الفلسطينية الأبواب والمجال وقنوات الدعم الكويتية المختلفة ، وكان له دوره المعروف في توفير الدعم والمؤازرة والمساندة والرعاية لآلاف العائلات منذ ذلك الحين ... ورغم كل ذلك ، فقد عاش هذا الرجل مكافحاً ، مناضلاً ، لايملك من حُطام الدنيا شيئاً ، ورحل وهو لايملك من حطامها شيئاً ، ولم يكن يتقاضي من منظمة التحرير الفلسطينية ، أو حركة فتح ، أو السلطة الوطنية الفلسطينة ، سوى راتبه المتواضع نظير تفرغه التام منذ قرابة النصف قرن ، للعمل الثوري في حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ، ثم راتبه التقاعدي الذي لم يكن يكفي ثمناً لعلاجه في السنوات الأخيرة . وعلى مدى السنوات الثلاث الأخيرة ، والتي شهدت بداية تدهور وضعه الصحي ، لم يقدم له أحد فلساً واحداً سوى راتبه التقاعدي ، ولم ينفق أحد على علاجه فلساً واحداً ، سوى أولاده الرجال البرين النجباء ، وأستطيع القول بمنتهى الصراحة والوضوح : لقد عاش القائد والمناضل والمفكر والكاتب والمؤرخ الفلسطيني الفتحاوي ، فقيراً ، ورحل فقيراً ، لكنه ترك لنا ولشعبنا ولأولاده وأسرته ولكل أحبابه ذكرى طيبة عطرة ، فلايمكن لأحدٍ عرفه عن قرب ، أوعمل معه في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ومكتب حركة فتح بالساحة الكويتية ، إلا ويتحدث عن مناقبه الجميلة ، وطيب معشره وحديثه ، وشفافية سيرته الشخصية ونقاءه الثوري، وصدق انتماءه وعطاءه الوطني والقومي ، وإلى جانب ذلك ، لقد كان الراحل العزيز القائد والمناضل درويش عبد النبي ، فلسطينياً وحدوياً عروبياً قومياً، أشد مايكون حرصاً على الوحدة الوطنية الفلسطينية ، وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية ، وانهاء الاتقسام اللعين ، وكان له دوره في سياق الدفع الايجابي من خلال الحوارات المكثفة مع العديد من القيادات ، عسى أن يساهم ، ولو بالكلمة والمقال ، والحوارات ، والندوات والنقاشات العلنية ، التي استضافتها العديد من المنتديات الفكرية والثقافية الكويتية في دفع الجميع للتخلص من كارثة الانقسام اللعين ، ولكن ـــ للأسف ـــ لم يتحقق حلمه وحلمنا جميعاً ، في تحقيق المصالحة الوطنية  الفلسطينية ، وطي صفحة الانقسام الأسود ، وهوكما حلم بالوحدة الوطنية الفلسطينية ، حلم بتحقيق الوحدة العربية ، وتألم لما شهدته منطقتنا العربية من فتن ومصائب متتالية ، وكم كان ألمه شديداً لما حل بالكويت الشقيق من إحتلالٍ وإعتداءٍ سافر ، وكان على الدوان في منتهى الحرص على تنقية العلاقات الفلسطينية الكويتية ، من كافة الشوائب التي علقت بها ، خاصة أنَّ الكويت الشقيق كانت دوماً في مقدمة  الدول العربية الشقيقة التي قدمت ومازالت تقدم الدعم والمؤازرة والمساندة للقضية والقايدة الفلسطينية ، وتقف بالمرصاد لكل الللاهثين نحو التطبيع مع العدو الصهيوني ، وتتصدر إلى جانب ومع الشقيقة الكبرى مصر ، المواقف المنتصرة والنصيرة للقضية الفلسطينية ، ولشعبنا الفلسطيني المظلوم ، ودوماً كان الشهيد أبوفتحي يحلم بزوال الغمة التي أصابت شعبنا وأمتنا ، وأن تعود قضية فلسطين ، إلى سابق عهدها ومكانتها وموقعها لدى أمتنا العربية والإسلامية  ... ومنذ النكبة الفلسطينية عاش هذا الفدائي الفلسطيني والفارس الفتحاوي لاجئاً مهاجراً غريباً مناضلاً ومقاتلاً ، وصامداً ببسالة وشرف وشهامة وفروسية نادرة ... وأمضى سنواته الأخيرة في غربته معاناةً كبيرة مع المرض ... فصمد وصبر وقاوم المرض ، كما كان دوماً يقاوم ويشارك ويخوض كافة معارك الثورة الفلسطينية في فلسطين المحتلة والأردن ولبنان .. ولكن قدر الله نفذ .. فاختاره الله تعالى إلى جواره بعد معاناته الشديدة مع المرض .. عاش أبوفتحي غريباً .. مرض أبوفتحي غريباً .. مات ورحل أخي الحبيب درويش عبد النبي أبوفتحي غريباً عن وطنه ... وكان حُلُمُهُ ، ككلِ فلسطيني مُبعدٍ ومنفٍ عن وطنه وأرضه العودة إلى الديار والأهل والأحباب ، والاستقلال والحرية واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ...

تقف الكلمات أمامي عاجزة عن التعبير عن حجم حزننا وفاجعتنا برحيل هذا القائد الفلسطيني والفارس الفتحاوي العتيق ، والفدائي الفذ ، الفدائي من الزمن الجميل .. زمن العطاء والتضحيات والبطولات والصمود الأسطوري ...

إنَّ القلبَ ليحزن .. وإنَّ العين لتدمع .. ولانقول إلا مايرضي الله سبحانه وتعالى : إنا لله وإنا إليه راجعون ... ونتقدم إلى أختنا الفاضلة ، أم فتحي زوجة الراحل الغالي ، وأولاده وبناته ، وعموم آل عبد النبي في الكويت وفلسطين وبلاد الشتات ، وإلى الجالية الفلسطينية في الكويت ، وإلى قيادة حركة فتح ، وإلى عموم شعبنا الفلسطيني ، بأحر التعازي والمواساة ، ونسأل الله تعالى للحبيب الشهيد الغريب أبوفتحي ، أن يسكنه فسيح جناته ورضوانه ونعيمه ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .. ( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ . وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ) .....  ( 157ـــ 158 سورة آل عمران).

رحمك الله تعالى أيها الصديق الحبيب والأخ الكبير المناضل الشريف الفاضل المُضَّحِي المعطاء المقدام دوماً ..