سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):

مكافحة داعش عنوان للنفاق السياسي

ليس في ما نقوله في هذا المقال، شيء جديد، بل هو تأكيد على كل ما ذكرناه في السابق وعلى نفس هذه المساحة بأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لن يهمه لا من قريب ولا من بعيد القضاء على داعش وعلى الارهاب. وان جميع مؤتمراتهم الامنية ليس اكثر من ذر الرماد في العيون وتحسين تقنية النفاق السياسي.

 بين مؤتمري بغداد لمكافحة فكر داعش في الاعلام الذي عقد في بغداد ومؤتمر ميونخ الامني المنعقد في المانيا، يتصدر عنوان الحرب الارهاب وبالأخص القضاء على داعش جدول اعمال المٌؤْتَمَرينّ. وفي كلا المؤتمرين لم يتحدث احد لا على الظلم الطائفي الذي تمارسه سلطة الاسلام السياسي الشيعي في بغداد الذي خلق داعش، ومن الممكن ودون اي عناء يذكر تلمسه في مخيمات النازحين الذي مضى عليهم ما يقارب اربع سنوات وخرائب المدن التي طردت منها داعش عسكريا، ولا في ادانة الحكومات الغربية التي جندت عن طريق مخابراتها ووسطائها وفسحت المجال لمنابر المساجد والجوامع في بلدانها لتعبئة وتجنيد المئات من الشباب وارسالهم الى معسكرات داعش والقاعدة لقتال النظام السوري.

المؤتمران لم يخرجا الا بخفي حنين، ولم يعالجا ابدا منبع الارهاب، لانه بعلاجهما الجذري للارهاب ينتفي وجود منظميها في المنطقة، وتتهاوى معهم جميع الخطط والاجندات السياسية لتحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية.

ان الحكومات الغربية استفادت من تعويم داعش وتسويقه سياسيا وامنيا، ونجحت بشكل منقطع النظير في اشاعة اجواء الرعب والخوف بين مواطنيها، واستطاعت ان تفرض التراجع على الحركة المعادية لسياساتهم الحربية والعسكرتارية في العالم التي توجت بغزو افغانستان ومن ثم العراق. تلك الحركة التي اطاحت بمشروع قرار امريكي-بريطاني في مجلس الامن لاحتلال العراق تحت عنوان امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل، مما جعل الولايات المتحدة الامريكية وبالدعم البريطاني غير المشروط من قيادة تحالف خارج مجلس الامن لغزو العراق، انها نفس الحركة التي اجتاحت شوارع برشلونة ومدريد ومدن اسبانية اخرى التي فصمت عرى التحالف ودفعت الحكومة الاسبانية لسحب قواتها من العراق، لتتبعها بعد ذلك انسحاب القوات الايطالية. ان الغرب وعن طريق داعش سيطر على تلك الحركة، وحركة ٩٩٪ التي تعني ان ١٪ تملك ثروات العالم والاغلبية المطلقة تعيش في الفقر والعوز، وحركة احتلوا وول ستريت وهو بورصة عمالقة الشركات الرأسمالية العالمية، وحولت الشغل الشاغل للجماهير المتمدنة في الدول الغربية، النأي بالنفس والدفاع عن امنهم وبقائهم على قيد الحياة. ان داعش نفخ الروح بكل التيارات العنصرية من الفاشية والنازية والمعادية للاجانب. ان الهجمة التي تشنها تلك الدول على المهاجرين وتقويض حق اللجوء هي واحد من نتائج هجمات داعش الارهابية على المدنيين في الدول الاوربية والامريكية، ولو لا مباركة ودعم الغرب له بشكل مباشر وغير مباشر لما وصل داعش الى ما وصل اليه ولما انعمت بالتالي الحكومات الغربية بالامان والسلام من انقضاض تلك الحركات التحررية عليها.

اما في العراق، فنقول ان داعش لم يأت من المريخ ولم يقفز من السماء، انه هو صناعة وطنية خالصة بامتياز. فداعش هو نفس التيار القومي العروبي الذي اطيح بسلطته في العراق بفعل الغزو والاحتلال الامريكي، وتضرب جذور داعش الى زمن هزيمة العراق في الكويت عندما فشلت صواريخ العباس والحسين على اسرائيل بنصرة البعث العروبي بقيادة صدام حسين، الذي سوق نفسه بطلا وناطقا رسميا باسم فقراء الامة العربية. ان جذور داعش تمتد الى ما بعد فشل تلك الصواريخ العروبية حيث رسم "الله اكبر" على العلم العراقي، وكتابة القرآن بدم صدام حسين، واطلاق لقب المجاهد على نفسه عبر حملته الايمانية في عام ١٩٩٦. وداعش سيبقى الشوكة المستعصية في حلق سلطة الاسلام السياسي الشيعي واداة في مساومتها من قبل امريكا والاقطاعيات الخليجية طالما تمارس الظلم الطائفي وتعامل ابناء المناطق الغربية كمواطنين من الدرجة الثانية. الم يطلق ابراهيم الجعفري ومن على منبر الامم المتحدة في اجتماعها السنوي عندما شغل منصب وزير الخارجية في العام الفائت تسمية محافظة الارهاب على الانبار ليكمله نوري المالكي في مناسبة اخرى بأن اهالي الموصل دواعش. ان تسويق بعض الشخصيات سياسيا تحت عنوان "السنة العرب" ومنحهم المناصب والمراكز الحكومية كرئاسة البرلمان وعدد من الوزرات لن يلغي الظلم الطائفي ولن يجفف المستنقع الطائفي ويقضي على البعوض الطائفي الذي ينقل الملاريا المميتة. ان اولئك الذين يعتاشون على الظلم الطائفي ليس من مصلحتهم انهاء الظلم الطائفي في العراق بل ونقول لو لا ذلك الظلم لما وصل اولئك الى تلك المراكز.

وليس عند هذا الحد، بل ما عرض قبل اكثر من اسبوع وسوق اعلاميا من مسرحية سمجة ولا طعم لها ولا رائحة حول اعادة احداث التاريخ من زاوية طائفية حول قتل عمر لفاطمة. وتلك المسرحية رسالة طائفية واضحة دون ان تجد اي رد فعل من تدخل السلطات والحكومات المحلية والمركزية لمنعها، او على الاقل تحريض اقلامها المأجورة في شن حملة اعلامية ضد المسرحية بسبب نشرها الكراهية الطائفية، وتدل على عمق المستنقع الطائفي التي تحاول سلطة الاسلام السياسي الشيعي اغراق العراق فيه.

واخيرا نقول ان المؤتمرات الامنية ليس الا تجمع لعمالقة المنافقين السياسيين في العالم لتحسين تقنية اكاذيبهم وتملقهم لبعضهم وتبادل الخبرات التجسسية والتعذيب وادوات القتل فيما بينهم. ان القضاء على داعش يأتي عبر انهاء الظلم الطائفي عن طريق تشكيل حكومة علمانية وغير قومية، واعادة النازحين الى مناطقهم عن طريق تحسين ظروف معيشتهم وتوفير الخدمات في مناطقهم وتوفير فرص العمل لأبنائهم وتقديم التعويضات المناسبة لهم.