ثامر الحجامي يكتب لـ(اليوم الثامن):

أفلاطون في بغداد

أفلاطون ليس رجلا عاديا، فهو من أشهر فلاسفة الأغريق وله تأثير لا مثيل له في الفكر الغربي، ويمثل افلاطون مع تلميذه أرسطو العصر الذهبي للفلسفة اليونانية، وله العديد من الأعمال الفلسفية، مثل كتاب القانون وكتاب الجمهورية أو المدينة الفاضلة.

  كان أفلاطون من عائلة أرستقراطية، حيث ينحدر والداه من سلالة ملوك أثينا، وتلقى تعليمه على أيدي أفضل المعلمين في اليونان، لا سيما عند معلمه الأبرز سقراط، توفي والده وهو شاب، فحضي بعناية عمه الذي كان سياسيا وسفيرا في بلاد فارس.

   إنقسمت حياة أفلاطون الى ثلاثة مراحل، المرحلة الاولى أمضاها مرتحلا متأثرا بآراء أستاذه سقراط، محاولا نقل فلسفة معلمه وتعاليمه، أما في المرحلة الثانية؛ فقد كتب بآرائه الخاصة عن المثل المركزية، وهي العدالة والشجاعة والحكمة، وألف كتاب الجمهورية واصفا فيه الحكومة العادلة، أما في المرحلة الثالثة فقد تخلى أفلاطون عن آراء أستاذه سقراط، مؤسسا أكاديمية خاصة به ترأسها حتى وفاته.

   ربما صدفة أو مشيئة القدر، أن تظهر شخصية في بغداد تشبه أفلاطون الأغريق، مع إختلاف الظروف والبيئة التي نشأت فيها هذه الشخصية، وطريقة الأفكار وطرحها للمجتمع، ونظرة المجتمع لتلك الأفكار الهادفة الى إنشاء المدينة الفاضلة أو المجتمع الصالح، ونظرة محايدة الى حياة كلا الأفلاطونيين نراهما قد تشابها في أسلوب التنشأة التى أنعكست على أفكارهما، وتشابه الظروف التي كان يعيشها المجمتع المحيط بهما، ما جعلهما يطرحان افكارا تعالج الواقع الإجتماعي والثقافي والسياسي.

    ينحدر " أفلاطون بغداد " من أعرق العوائل العراقية حسبا ونسبا، فجده السيد محسن الحكيم المرجع الشيعي الوحيد الذي ثنيت له الوسادة، والمرجع الأبرز تأثيرا في الواقع الإجتماعي والسياسي العراقي على مدى نصف قرن، ووالده السيد عبد العزيز الحكيم من أبرز الشخصيات الدينية والسياسية العراقية، أما عمه السيد محمد باقر الحكيم الذي تكفل بتنشأته ورعايته وتدريبه، فهو الشخصية السياسية الأبرز منذ عام 1980 ولحين إستشهاده عام 2003، بل إن فكره السياسي ما زال حاضرا عند معظم الحركات والأحزاب السياسية العراقية.

     كذلك إنقسمت حياة عمار الحكيم الى ثلاث مراحل، فالمرحلة الاولى قضاها في المهجر، تحت رعاية عمه قائد المعارضة لنظام البعث، وفي المرحلة الثانية كان وريثا للأفكار والمتبنيات السياسية، ورئيسا للكيان السياسي الذي تركه عمه ووالده، أما في المرحلة الثالثة؛ فقد أعلن عمار الحكيم تخليه عن ميراثه السياسي بشخوصه ومتبنايته، معلنا تشكيل كيان سياسي خاص به، منطلقا بأفكار ورؤى جديدة، تستهدف وضع الحلول المناسبة لما يعانيه الواقع العراقي، بأدوات عراقية بعيدة عن الولاءات والتأثيرات الجيوسياسية.

    طرح عمار الحكيم الكثير من الافكار وتبنى العديد من المشاريع السياسية، الهادفة الى اصلاح الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع العراقي، وجوبه بحملات من التسقيط والتشويه ثمنا لما كان يطرحه من أفكار، عاد الكثير فيما بعد ليؤكد صحتها، أو ندمه على عدم تبنيها، فمبادرة " أنبارنا الصامدة " والبصرة عاصمة العراق الاقتصادية، ومشروع البترودولار ومشروع المصالحة الوطنية، وكثير من المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والانسانية التي تعرضت الى التشويش والتشويه لاسباب سياسية.

     آخر المشاريع الخدمية التي طرحها الحكيم، هو الإعلان عن تشكيل مجلس الخدمة، وهو وإن كان خاصا بتيار الحكمة إلا إنه يهدف لتقديم الخدمة لعموم المواطنين، عن طريق مسؤولين وقيادات تيار الحكمة، الذين يفترض بهم أن يكونوا على مستوى هذا العنوان، وأن يسعوا بكل جهودهم الى إنجاح هذا المشروع، حتى لا يتعرض الى ما تعرضت له المشاريع السابقة، ونجاح هذا الأمر مرهون بهم، ومدى قدرتهم على التفاعل مع ما يطرحه عمار الحكيم، ورغبتهم في تقديم الخدمة الى الناس.

عاش أفلاطون الأغريقي وهو يحلم بقيام المدينة الفاضلة، لكنه مات ولم يراها تبصر النور، بل حتى مدرسته هدمت خوفا من نشرها للوثنية! وربما هذا الأمر ينسحب على عمار الحكيم أيضا، فنراه يطرح مشاريعا لا تطبق على أرض الواقع، لأسباب سياسية أحيانا؛ ولعدم كفاءة من يحيطون به في أحيان أخرى.