بهاء العوام يكتب:
ترياق مجرب لإخوان السودان
الانقسام الذي باتت تعانيه المعارضة السودانية هو من أسباب تعليق “العصيان المدني”. فهذا الانقسام الذي لا يظهر منه سوى رأس جبل الجليد، يهدد وحدة جبهتها أمام حكم العسكر. وإذا اتسعت رقعة هذا الانقسام سيصبح حكم العسكر خيارا مفضلا للمجتمع الدولي كبديل عن الفوضى أو الحرب الأهلية.
انقسام المعارضة يرتبط بمحورين رئيسيين. الأول الحزب الشيوعي الذي لا يحبذ التفاوض مع المجلس العسكري جملة وتفصيلا، وهو يرى أن التصعيد حتى إجبار الجيش على التنازل عن السلطة، هو الخيار الأمثل للشعب.
المحور الثاني يتلخص بجماعة الإخوان المسلمين. أرباب المؤامرات في كل مشهد سياسي لكل دولة ينشطون فيها. فإخوان السودان، مثلهم كمثل إخوان مصر وسوريا واليمن وغيرهم، يريدون قطف ثمار الثورة دون أن يشعر بهم أحد. يختبئون خلف أشخاص أو جماعات حتى تحين الساعة فينقضون على الثورة والحكم.
جماعة الإخوان تبرع في دفع الأحداث باتجاه يخدم مصالحها، وفي السودان حاول الإخوان استغلال العصيان للدفع نحو التصعيد والتحريض على الجيش، فيسقط قتلى وجرحى، ويجبرون جميع أطراف المعارضة على مواجهة العسكر بحجة أنهم لا يريدون تسليم السلطة.
لم يتعامل الإخوان مع ثورة السودان، أو أي ثورة في دول الربيع العربي، بهواجس وطنية
العقلاء في المعارضة اكتشفوا خبث الجماعة، فقرروا فض الاعتصام برمته، أما الجيش فقد بحث وراء الضباط والجنود الذين يعملون لصالح الإخوان واعتقل بعضهم. طُويت صفحة من كتاب خبث الإخوان ولكن شرهم لم ينته في البلاد.
في الحقيقة تعود المعادلة الانتفاعية للإخوان في ثورات السودان إلى عقود، فهم من رفض الحزبية بينما كان السودانيون يعيشون أفضل عهودهم الديمقراطية، وهم من بشر بحكم العسكر عندما قالوا إن أمراء الجيش جزء أصيل من أهل الحل والعقد، وهم أيضا من أسسوا حزبا وعقدوا تحالف الشيطان مع السلطة عندما استولى الرئيس المخلوع عمر حسن البشير على الحكم.
لم يتعامل الإخوان مع ثورة السودان، أو أي ثورة في دول الربيع العربي، بهواجس وطنية. كانت جميعها بالنسبة لهم فرصا ذهبية للوصول إلى الحكم، فهم طلاب سلطة ولو تمكنوا منها لصنعوا دولا أبشع بكثير من داعش.
يحسب للمعارضة السودانية حتى الآن حسن قراءتها للتجاذبات التي تعيشها البلاد. هي تقدم نموذجا مميزا لثائر اتعظ من أخطاء غيره، فكان واقعيا ووطنيا في مطالبه، وكان سياسيا ودبلوماسيا في علاقته مع الأطراف الخارجية المعنية. هذه المعادلة حتما لن يقبل بها الإخوان، لأنها ببساطة ترياق مجرب لسمومهم.