ثامر الحجامي يكتب لـ(اليوم الثامن):

أجراس تقرع وآذان صماء

قبل خمسة أعوام كانت الأرض تحترق، والجثث تنتشر في الطرقات، ومياه دجلة أصبحت بلون الدماء، والسماء غطتها سحب سوداء، ورسل الموت صارت تطرق الأبواب، وبلغت القلوب الحناجر خوفا وهلعا، ورايات سوداء ترفرف، تتوعد بالويل والثبور، وظن الجميع أنهم غرقى في بحر متلاطم الأمواج.

     تركت أحداث عام 2014 بصمتها في تاريخ العراق وحياة العراقيين وذكرياتهم، وما زالت الأسباب التي أدت الى تلك الأحداث، تمثل هاجسا ومبعثا للقلق لدى الكثير، على الرغم إن نتائج وتداعيات ما حصل لم تنته الى الان، ونحن نعيش ذكرى مرور خمس سنوات على يوم النكسة، واجتياح عصابات داعش للمحافظات الغربية من العراق ووقوفها على أطراف بغداد، بعد أن تبخرت ثلاث فرق عسكرية مجهزة بأحدث الأسلحة، وآلاف من قوات الشرطة والصحوات، وصار الإعلام الداعم للإرهاب يبشر بسقوط بغداد.

   تجاهلت السلطة الحاكمة والقوى السياسية المؤثرة في حينه، كثيرا من الدعوات والمناشدات الداعية الى تهدئة الأوضاع، وعدم جر البلاد الى نفق مظلم يعرف أوله ولا يعرف نهايته، وإيقاف الصراعات السياسية التي أدت للوصول لما حصل في العاشر من حزيران عام 2014، لكن الأغلب وضعوا أيديهم في آذانهم واستمروا في صراعاتهم يتكالبون على مغانم السلطة، والثروات مباحة لكل من إدعى دفاعه عن مكون معين، فكثرت أبواق الفتنة والأصوات الإنتهازية، جاعلة العراق وقودا لمحرقة حزيران وما بعدها.

   إمام الهجمة الإرهابية التي أرادت رسم خرائط جديدة، إنتفض أبناء العراق وتسابقوا الى سواتر القتال بحماس منقطع النظير، وخاضوا معارك ضارية لأكثر من ثلاث سنوات ، قدموا خلالها آلاف الشهداء وأضعاف ذلك من الجرحى والمعاقين، حتى تمكنوا من دحر الإرهاب وتحرير الأرض، ولم يكن ليتحقق ذلك لولا تكاتف العراقيين وتوحيد صفوفهم، وإستشعار القوى السياسية لما يحيط بها من أخطار وتجاوزها لخلافاتها السياسية، والدعم الدولي الذي حضي به العراق لدحر الإرهاب الداعشي.

    لم تكد الحرب تنتهي حتى نزل المجاهدون من سفح الجبل لإقتسام المغانم.. وعاد الصراع والأزمات الأمنية والعشائرية والطائفية، لنفس الأسباب التي حدثت سابقا، ولم تحل أغلب المشاكل التي ساعدت على ظهور حواضن الإرهاب، وبقي كثير من سكان المناطق التي عانت الإرهاب في معسكرات النازحين، وما زال الأمن مفقودا في مناطق كثيرة، وعادت الهجمات الإرهابية من جديد، وبتنا نشهد أوضاعا شبيهة بالتي سبقت ظهور داعش، وأصبح الإرهاب ينمو من جديد في المناطق الرخوة، باعثا رسائل مهمة على الجميع الالتفات إليها وقراءتها بدقة.

  إذا إستمر الصراع السياسي على ما هو عليه الآن، ولم تضع الحكومة إستراتيجية واضحة لمعالجة المشاكل في المناطق الرخوة، وتوفر الأمن فيها على أسس مهنية تراعي حرمة المواطن، وتولي عناية خاصة للقضاء على حواضن الإرهاب، فإن البلد سيعود الى الظروف التي لم تنسى آلامها ومآسيها بعد، فهل هناك من يسمع نواقيس الخطر؟ أم في آذانهم وقر؟.