بهاء العوام يكتب:
لعنة إيران
ما أشبه اليوم بالأمس، قبل أربع سنوات كانت الولايات المتحدة تفاوض إيران على برنامجها النووي ومنحتها سوريا ضمن باقة الميزات الإضافية للاتفاق الذي أبرم عام 2015. اليوم تعود واشنطن للتفاوض مع طهران حول ذات البرنامج، ولكن سوريا هذه المرة ورقة إيرانية وليست أميركية.
ثمة سلسلة من المفاوضات التي تدور حول الأزمة السورية هذه الأيام. ليس بوصفها أزمة مستقلة، وإنما كأحد عناوين “الصراع الإيراني الغربي”. المفاوضون هم ذاتهم الذين تحلقوا حول الطاولات عام 2015، وضيف الشرف هو إسرائيل التي لطالما كانت جزءا أساسيا من هذا الصراع ولكن في السر.
أن تكون جزءا من حروب طهران في المنطقة، هي لعنة إيران التي حلت على السوريين منذ أن انضمت دمشق إلى محور المقاومة أو المساومة بتعبير أدق. حياتهم وبلادهم باتت مٌسخّرة لصالح ولاية الفقيه. ومع انطلاق الثورة السورية عام 2011 بات المؤيديون لبشار الأسد يموتون في سبيل الاحتلال الإيراني، والمعارضون تكتب إيران بدمائهم صفقاتها مع الغرب.
إنهاء لعنة إيران على سوريا وليس إنهاء الأزمة السورية هو ما يُبحثُ على طاولة لقاء القدس الذي يجمع الروس والأميركيين والإسرائيليين، وهو أيضا أولوية الأميركيين والأوروبيين في لقاءات باريس وبروكسل. ما يشغل هذه الأطراف اليوم هو كيف يتخلصون من إيران في المنطقة، لأجل إسرائيل أولا ولمصالحهم في الدرجة الثانية.
لعنة إيران أطلقت بصمت غربي ومباركة أميركية عام 1979، فانتشرت في أماكن كثيرة منها سوريا ولبنان واليمن والعراق وفلسطين. و”الثورة” الإيرانية التي يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم إنه سيحارب تصديرها إلى الخارج، احتلت أربع عواصم عربية بدعم أسلافه، بدءا من جورج بوش الأب وصولا إلى باراك أوباما.
بإيجاز واقعي ثمة مصلحة للسوريين في التحرر من لعنة إيران، وإن كانت هي ليست العائق الوحيد أمام إنهاء أزمتهم، لكن الأمر يحتاج إلى أكثر بكثير من تعاون الروس في تحجيم النفوذ العسكري لطهران في سوريا، هذا إن كانت موسكو ترى في الغرب حليفا أقرب من طهران أصلا.
صحيح أن موسكو ترى في إسرائيل كعبة الغرب التي يجب حمايتها، وصحيح أن للروس مصلحة في طرد إيران من سوريا والاستيلاء على غنائمها هناك، ولكن إقناع الرئيس فلاديمير بوتين بالانضمام إلى الحرب على إيران، إن وقعت أصلا، سيكون مكلفا جدا على واشنطن وبروكسل وتل أبيب.
في لعنة إيران على السوريين أكثر بكثير من جنود وآليات عسكرية استقدمت إلى سوريا بعد عام 2011. ثمة تجار إيرانيون استوطنوا هناك وأسسوا ممالك اقتصادية لهم، أصبح لإيران ساسة وبرلمانيون وأساتذة وضباط سوريون، يدينون لها بالولاء أكثر من بلادهم. أحدثت إيران في الجسد السوري فجوات أخلاقية وديموغرافية وثقافية لا يطالها القصف الإسرائيلي ولا ترصدها رادارات الروس.
استدعاء الحديث عن اللعنة الإيرانية قبيل اللقاءات التي ستبحث في الأزمة السورية هذا الأسبوع، ليس تشاؤما وإنما هو تجنب للإفراط في التفاؤل. حرب الغرب مع إيران طويلة، وسواء كانت تمثيلية لابتزاز المنطقة والعالم كما يصفها البعض، أو كانت صحوة غربية إزاء خطورة دولة إرهابية كما وصفها ترامب مؤخرا، فإن اللعنة الإيرانية على السوريين لن تنتهي ببضع سنوات، ولن تنتهي طالما بقي “الأسود” قادة هناك.