حامد الكيلاني يكتب:

العالم يتطلع إلى إيران ما بعد ولاية الفقيه

الاستثمار في صناعة الأزمات يختلف ويتباين مع الاستثمار في حل الأزمات، خاصة إذا دخلت مرحلة الورطة وأدت إضافة إلى انفلات محددات وآلية السيطرة عليها، إلى تغيرات على الظروف المحيطة بها. لذلك ما بدا للنظام الإيراني من قناعات يجتهد على تصريف مخرجاتها في الداخل على أنها انتصارات لصالحه لا تعدو في الواقع، بما تحقق منها، إلا ما سيدفعه إلى المزيد من العناد على خرق ما يدّعي أنه صبر استراتيجي تجاه بنود الاتفاق النووي، وذلك ما لم يُجب عليه مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عندما طلب الإذن في ترك الأحكام والإجابات إلى المسؤولين في طهران.

ما جاء في مؤتمر فيينا لمجموعة 4+1 بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لم يضمن للنظام، رغم وعود العمل بآلية عملة “أنستكس″، الالتفاف على العقوبات الأميركية وهي بمثابة مناورة على تأمين الحاجات الأساسية عن طريق أوروبا بما يقترب من آلية “النفط مقابل الغذاء” سنوات العقوبات الأممية على العراق.

لكن هذه المرة بعيدا عن استحكامات الصرف الأميركي وضوابطه، وهو في كل الأحوال لا يتجاوز الملايين إلى المليارات ومرتبط باشتراطات عدم استلام إيران لأي أموال، فإن القبول بالعملة الأوروبية يعني أن الملالي دخلوا النفق بأقدامهم اليمنى معترفين بالأزمة الخانقة التي يعانون منها إلى حدّ كسر العظم بازدياد فرض العقوبات التي تعمل كجدار ضغط لا أحد يدري متى سينفجر بتفاعلات عناصره غير المحسوبة المقادير أو التجانس مع تفاوت الاحتمالات.

تطمينات أوروبية في مؤتمر فيينا لإيران على مقياس عدم استفزاز مصالح شركاتها مع الولايات المتحدة، تعطي رسالة للرئيس دونالد ترامب بأنها تُلقي عن كاهله المزاوجة أو ازدواجية الرسالة الموجهة للنظام الإيراني، وأيضا للشعوب الإيرانية التي تتلقى منه وعودا بدعم انتفاضتها المستمرة، واحترام خياراتها وتاريخها وما يحفز فيها الكفاح لنيل حقوقها المدنية وحقها في الحياة الحرة المتحضرة التي تستحقها.

الملف الآخر المتزامن الذي راهنت عليه ولاية الفقيه كان انعقاد قمة العشرين في أوساكا بمخرجاته التقليدية في المناهج والبنود الموضوعة مسبقا على جدول الأعمال، والتقارب الروسي الأميركي وما حصل من تقارب صيني أميركي بما خفّض من مستوى القلق في الأزمات الجيوسياسية أو التجارية، عدا استقرار قادة العالم على دور المملكة العربية السعودية في مجموعة العشرين، وذلك ما كان واضحا شكلا ومضمونا في القمة بما يعزز منتجات قمم مكة الثلاث في إدانة الإرهاب ومغذياته المعروفة تماما للقوى الدولية.

بعدها حدثت زيارة الرئيس الأميركي بخطواته المحددة على أرض كوريا الشمالية برفقة كيم جونغ أون الرئيس الكوري الشمالي، وتفاهماتهما في إنشاء لجان لمتابعة الملف النووي والعلاقات بين الطرفين. تكون إيران ونظامها الفاشي الديني أمام طريق معبد وسهل المرور وتتوفر فيه وسائل الأمان ويتمثل في القبول بالذهاب إلى خيار المفاوضات في أقصر طريق لضمان بقاء النظام في سلطته ودون شروط مسبقة.

مفاوضات ستنتهي إلى ترصين الاتفاق من ناحية التوقيتات والإشراف الدولي المختص، والتخلي عن أسلوب المناورة السرية وتهديد الأمن والسلم الدوليين.

الرئيس ترامب قال إن زمن الرئيس باراك أوباما قد انتهى وكذلك زمن وزير خارجيته جون كيري، أو أن يذهب نظام المرشد إلى اختيار توقعات الثورة الشعبية، رغم أنها تبدو للبعض بعيدة المنال ورهانا متأرجحا على احتمالات معقدة نظرا لاستنفار الحرس الثوري وأجهزته القمعية ومنح الصلاحيات له في الاحتجاز والاعتقال التعسفي وإطلاق النار غير المقيد.

تسجل الوقائع للمتظاهرين الإيرانيين خارج الحدود وفي معظم الدول التي تتواجد فيها جاليات إيرانية حضورا لافتا تدعمه شخصيات عريقة في تاريخها السياسي تترقب ما يجري في المدن الإيرانية من استياء ومن احتجاجات وفعاليات تحمل في طياتها دلالات التردي والفقر والبطالة، وارتفاع التضخم وانتشار التسول والهرب إلى خارج الحدود للعمل اليومي وتخلي الأسرة الإيرانية عن الكثير من احتياجاتها لتعويض فارق العملة وتسريح العاملين من وظائفهم. أي أن ثمة مواطنين يتقاسمون المأساة والصوت ونقل الحقائق والوثائق إلى المنظمات الإنسانية والدولية في تدعيم لجبهة مقاومة لم تعد تقتصر على جهة بعينها أو قومية ما، إنما هي تمتد من الأحواز العربية إلى الأكراد إلى الأذريين وغيرهم في وحدة شعور وإيمان بأن الوقت أصبح مواتيا لرحيل هذا النظام، وعودة إيران دولة طبيعية في المنطقة تحظى بالحقوق والواجبات ضمن محيط إقليمي طالما كان يخطب ودّ الشعوب الإيرانية بالعمل والسياحة وتبادل منافع الجوار الاقتصادية والثقافية والإنسانية إلى حدّ المصاهرة.

يعتقد النظام الإيراني أن طرح ملفاته باستمرار على مفترقات أحداث العالم يجعلها لا تغيب عن إجراءات البحث عن خروقات في النظام الدولي، مستغلا فكرة الصراع على مصالح النفوذ ومقايضة القضايا الاستراتيجية للدول الكبرى وحلولها عبر عقدة شظايا محور الإرهاب الإيراني. وهذا عادة لا يحدث وفق ما تشتهي ولاية الملالي وإن حدث التسويق لها لمرات فلأن الدول تستغل الخروج الإيراني على نص العلاقات الدولية، لأن ذلك الخروج يأتي أحيانا على خط سير الحزام الناقل لبضائعها السياسية والاقتصادية ومصالحها القومية المؤقتة.

لكن إيران تتجاهل فوارق مصالح العالم مع الولايات المتحدة مقارنة بالمصالح التي تربطها بها، حيث تبيّن للمجتمع الدولي وبالأدلة القاطعة أن تنظيم الدولة الإيرانية ليس بينه وبين تنظيم داعش من مفاضلة سوى أن كفة ميزان الإرهاب تميل إلى ولاية الفقيه، لأنها وإن كانت راعية الإرهاب الأولى في العالم، لكنها أيضا استثمرت الإرهاب كدولة وليس كتنظيم متطرف يتفق المجتمع الإنساني على إدانته والحرب عليه.

ما نراه من أفعال الميليشيات على أرض العراق دون أن نستثني منها تنظيم داعش، يؤكد أن تنظيم الدولة الإيرانية اختار الإرهاب وعداء العرب والعالم الحر، والأكثر حماقة أنه وضع الشعوب الإيرانية في قفص الاتهام والإدانة لأنهم يطالبون بشيء من بقايا حق في لقمة عيش وأمن وكرامة. ألم تكن هذه المطالب الإنسانية المتواضعة دائما رفيقة ثورات الشعوب في كل أرض وزمان؟