عادل المدوري يكتب لـ(اليوم الثامن):
روح دولة الجنوب في يافع
كانت الثقافة المجتمعية بالجنوب قبل تاريخ 21 مايو عام 1990م، قائمة على قيم ومبادئ إنسانية حضارية، أساسها المبادرات الشعبية، والتعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، وعلى هذا الأساس، شهدت دولة الجنوب تأسيس العديد من المنظمات التعاونية والجماهيرية والاتحادات العامة، والنقابات العمالية، والجمعيات التعاونية، ويعد نموذج تعاونية لبعوس الاستهلاكية، التي ما تزال باقية بنشاطها وبقوة إلى اليوم، وما تقوم به هذه الجمعية من دور مجتمعي في توفير السلع والخدمات، وخصوصاً المشتقات النفطية لذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى بأسعار مناسبة، كشاهد حي على روح التعاونية الجنوبية النابضة بيافع، والتي هي عنوان للهوية الجنوبية.
رغم التدمير الممنهج الذي حصل خلال العقدين الماضيين للمؤسسات والهوية الجنوبية بشكل عام، ومساعي نظام صنعاء الحثيثة لتعميم ثقافته ونظامه وأسلوب حياته على الجنوب، حتى من خلال مخططات وأنماط موحدة لمشاريع المباني الحكومية الإدارية والمرافق الخدمية والحيوية كالمدارس وغيرها، لكن يافع ظلت عصية رافضة لكل ما له صلة وارتباط بصنعاء، ولو كانت مجرد إيحاءات ورموز في العمران والمباني، واستمرت يافع على مدى العقود الماضية محافظة على هويتها الجنوبية الخالصة وعلى المؤسسات وعلى الهوية الجنوبية.
ونتيجة لذلك تجد إن معظم مشاريع المدارس والمستشفيات والطرقات بيافع، تنفذ بدعم ومبادرة الأهالي والمغتربين بعد غياب نظام صنعاء، الذي لم يتمكن من إيجاد طريق توصله إليها، فماضي يافع كحاضرها، عندما حاولت القوات الشمالية الدخول إلى يافع في حرب صيف 94م الظالمة، لم تتمكن من الدخول واصطدمت بتحصينات يافع وبشموخ رجالها وجبالها، وعادت قوات نظام صنعاء تجر أذيال الهزيمة، بعد أن نصحها مستشاروها بالاكتفاء بالتواجد حولها ومن خارجها فقط.
روح دولة الجنوب الموجود بيافع يتجسد بالمبادرات الشعبية، والتي تعتبر عادة جنوبية أصيلة، تعزز روح الاكتفاء المجتمعي دون الحاجة لصنعاء أو لغيرها، على الرغم أن ثرواتنا وخيراتنا تذهب لصنعاء والمحافظات الشمالية، وتبنى فيها القصور وتشيد الكباري والطرق المعلقة التي لم نرَ مثيلاتها بالجنوب، فنلاحظ أنه منذ العام 2015م فقط، انطلقت عشرات المشاريع الكبيرة خصوصاً في مجال الطرقات، شكلت ثورة في مختلف مناطق ومديريات يافع الثمان، في محافظتي لحج وأبين، ويتسابق رجال يافع على المشاركة في أعمال الخير وبدعم سخي جدا، حيث شاركت في حملة لجمع التبرعات لأحد مشاريع الطرقات بيافع، وقد جمعت اللجنة الأهلية خلال أسبوعين فقط ما يقارب مليون ريال سعودي.
المبادرات الشعبية بيافع أحدثت تغييرات كبيرة على مستوى خدمات الناس وتوفير احتياجاتهم، التي توقفت معظمها منذ عقود طويلة، وفتحت المبادرات آفاقاً جديدة لتحسين المستوى المعيشي لقاطني تلك المناطق وما حولها، فشق الطرقات وسفلتتها وفك العزلة عن الأهالي وتشييد المدارس وحفر الآبار يدخل في نفوس المواطنين الفرح والسرور بعد عقود طويلة من المطالبات والانتظار، حتى يأس الناس من شيء اسمه دولة ومشاريع حكومية.