بهاء العوام يكتب:
أميركا المُعطِلة في سوريا
منذ أن تولى دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض تحولت الولايات المتحدة إلى طرف معطل في الأزمة السورية. تدرك واشنطن أنها لا تملك مفاتيح الحل للأزمة لأن ذلك يقتضي حربا مباشرة مع الروس والإيرانيين والأتراك، فقررت إطالة أمد الأزمة إلى أجل غير مسمى، أو بتعبير آخر، حتى تنتهي كل ثمرات تأجيل الحل بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ماذا فعلت واشنطن لإنهاء الأزمة السورية في زمن ترامب؟
يكاد يكون الهجوم الثلاثي، الأميركي- البريطاني- الفرنسي، الذي شُنَّ على دمشق وحمص عام 2018، آخر مناسبة تحدث فيها ترامب عن نظام بشار الأسد. لا يبدو أن الرئيس الأميركي مهتم إلا بمناطق الشمال التي تتواجد فيها قواته، يقول إنه لا يريد أن يبقى هناك ثم يزيد من عديده وعتاده فيها ويحذر الأتراك من الاقتراب منها.
لن يولد حل للأزمة السورية دون مشاركة الولايات المتحدة، فهي تحتل نحو ثلث البلاد الذي يمثل سلة الغذاء والطاقة في سوريا. بضعة آلاف من الجنود الأميركيين يعيشون في هذا الثلث، ويمنحون واشنطن مبررا لاستباحة المنطقة بحجة حمايتهم أولا، ثم محاربة الإرهاب الذي يداعب حدود المستعمرة الأميركية شرق نهر الفرات بين الفينة والأخرى.
ما ضرورة إنهاء الأزمة السورية بالنسبة للولايات المتحدة اليوم؟ الجواب لا شيء. تعطيل الحل أكثر جدوى بالنسبة لترامب. والتعطيل لا يعني العمل على إفشال مساعي الحل، وإنما فقط مجرد عدم المشاركة فيها. هذا تماما ما تفعله واشنطن وهذا وحده كفيل بفشل أي مقاربة لإنهاء الأزمة سواء كان مصدرها الأمم المتحدة أو روسيا أو تركيا أو إيران أو غيرها.
عندما تدير واشنطن ظهرها لمعارك إدلب، ولا تكترث للضغوط على اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان، ولا تصدر حتى بيانات تتساءل فيها عن أسباب غياب مفاوضات جنيف. كل هذا يقول شيئا واحدا هو أن الولايات المتحدة لم تعد تكترث لانتهاء الأزمة السورية. في الحقيقة هي لم تكترث منذ البداية ولكن ترامب كان أكثر وضوحا من باراك أوباما في هذا الخصوص.
إفشال واشنطن لمحاولات موسكو تطبيع العلاقات العربية مع دمشق مطلع العام الجاري، قرأه البعض تمسكا أميركيا بانتهاء شرعية الأسد، ولكنه مجرد إصرار على تعليق الأزمة. تعليقها حتى تجهز إسرائيل على إيران في سوريا وينهار التحالف الإيراني والروسي والتركي، ويتحول الجولان السوري إلى أرض إسرائيلية والقامشلي إلى أربيل جديدة، ومناطق الشمال، غرب الفرات، إلى ولاية تركية.
ثمة من يعتقد أن واشنطن تراهن على إسقاط الأسد عبر العقوبات الاقتصادية، تريد ثورة جياع تطيح بالأسد. وكأن الثورة الأولى كانت مستوردة أو أن من تظاهروا ضد الأسد عام 2011 كانوا أرباب المال والأعمال في البلاد. ربما تحرج العقوبات المندوب السامي الروسي في سوريا بوصفه الرئيس الفعلي هناك، ولكن ليس للحد الذي تجعله يأتي للأميركيين موافقا على شروطهم لحل الأزمة.
استمرار الأزمة السورية لا يكلف واشنطن شيئا. وتعطيل حلها يضر بالسوريين مهما بدا مفيدا لفئات منهم على المدى القصير. المشكلة أن ترامب لا يحتاج إلى تغيير سياسته المعطلة في الأزمة ضمن مساعيه للفوز بولاية رئاسية ثانية، والطامة الكبرى أن بعض منافسيه في الانتخابات المقبلة لا يزالون يعترفون بشرعية الأسد.