محمد قواص يكتب:
لماذا يدوّل سعد الحريري مشكلة حزب الله
يثير طلب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أن يتعامل المجتمع الدولي مع حزب الله باعتباره “مشكلة إقليمية” عدة تساؤلات حول أسباب هذا التدويل وحقيقة القول إن حزب الله لا يتحكم في إدارة البلد، وهل حقا هو لا يمسك بقرار الحرب والسلم، وهو الذي يقحم لبنان في مشاريع إيران وأجندتها؟ وهل بتدويل حزب الله يكون الحريري قد أبعد الخطر على لبنان؟
لافت جدا أن يخاطب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري المجتمع الدولي، معلنا أن مشكلة سلاح حزب الله هي مسألة إقليمية (دولية) وليست لبنانية. وعلى هذا قد يلتقي، بشكل غير مباشر، مع اكتشاف رئيس الجمهورية ميشال عون أن الظروف تغيّرت ولم تعد تستدعي حوارا داخليا للاهتداء إلى الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان.
لافت أيضا أن حزب الله لم يعلّق على تصريحات الحريري لـ”سي.أن.بي.سي” الأميركية حول ما فُهم أنه تبرؤ لحكومته من سلاح الحزب وسلوكه (المشرّع وفق البيان الوزاري). وأنه إحالة للأمر، وفق ما قد تفسره مواقفه، إلى معالجة كبرى تتجاوز قدرات لبنان وتضعه ربما داخل ملف الصراع الذي تقوده الولايات المتحدة ضد إيران.
يخبر الحريري العواصم المهتمة بشؤون لبنان واستقراره، ودوره واقتصاده، وآبار الطاقة في مياهه، أن حزب الله لا يحكم البلد، لكنه يتحّكم بقرار السلم والحرب فيه. يبلغ الرجل من يهمه الأمر، بصفته رئيسا لحكومة بلد مستقل ذي سيادة، أن عنوان حزب الله ليس في لبنان، وأن قراره يأتي من خارج البلد، وأن معالجة أمره لا يمكن أن تتم من داخله.
دعوة لتخليص لبنان
لا يُفهم من خطاب الحريري لقناة تلفزيونية أميركية بعد أسابيع من عودته من رحلة مثيرة للجدل إلى الولايات المتحدة إلاّ أن رئيس الحكومة يستدرج تدويلا لمسألة حزب الله، ليس بالمعنى الذي قد يثير الداخل اللبناني، بل بالمعنى الاستراتيجي المتعلّق بما يُرسم هذه الأيام للمنطقة. ولا يُفهم من منطق الرجل إلا دعوة لتخليص لبنان، بكيانه وتياراته ومذاهبه ومؤسساته، من مهمة التصدي لظاهرة تعملقت لأسباب خارجة عن إرادة لبنان، وتتحمل مسؤوليتها سياسات اعتمدها المجتمع الدولي في التعامل مع إيران ونظام “الثورة الإسلامية” هناك منذ أربعة عقود.
على أن ما ينطق به الحريري يختلف في الجوهر عما ينطق به عون. في ثنايا كلام رئيس الحكومة بعض مما تجاهر به بيئته السياسية الصغرى وتلك الكبرى الممتدة بارتباك باتجاه حلفاء الأمس. يعتبر هؤلاء أن سلاح حزب الله يصادر هيبة الدولة ووحدة قرارها في شأن سيادي أساسي، وأنه يعظّم من ثقافة الدويلة ويهدد اللحمة الداخلية ويصدّع الاستقرار الداخلي ويساهم في تفشي مظاهر العبث والفوضى والاستهتار بمؤسسات البلد كما بموقعه في العالم وعلاقاته مع دول العالم.
"مشكلتكم وليست مشكلتنا"
باعتباره مشكلة خارجية، لا يؤمن الحريري بلزومية سلاح حزب الله للدفاع عن لبنان على منوال ما يكرر رئيس الجمهورية ميشال عون. يرى الأخير أن سلاح الحزب لبناني في أجندته الدفاعية عن البلد وهو جزء بنيوي لا تمرد داخليا عليه، لا بل تتم رعايته من قبل الدولة وحكومتها.
وفيما يتحدث الحريري عن “مشكلة” أن قرار الحرب والسلم في يد حزب الله، لا يرى رئيس الجمهورية ذلك على نحو لا يوجب هذه الأيام أي حوار بيتي لاستحداث استراتيجية دفاعية تنهي ظاهرة سلاح الحزب من خارج منظومة الدولة.
“حزب الله مشكلة إقليمية”. وفق ذلك يطالب الحريري بألا يرتبط أمر الجدل حول دور حزب الله من قبل واشنطن وحلفائها بأمر ما يمكن لهذا العالم أن يقدمه لتخليص لبنان من أعبائه الاقتصادية.
وفيما يكثر الحديث عن ربط ثمار مؤتمر “سيدر” وكرم الدول المانحة بشروط معينة متعلقة بما هو مطلوب من الدولة للجم حزب الله والقبض على سلاحه، يرمي الحريري الكرة إلى حضن هذا العالم وتلك الدول المانحة مستخدما لغة بسيطة مفادها أن “الأمر مشكلتكم وليس مشكلتنا”.
وعلى أساس تلك المعادلة يطلب الحريري من العالم أن يتعامل مع لبنان بصفته دولة تديرها حكومة يرأسها، وأن لحزب الله حصة برلمانية ووزارية لا تتيح له إدارة البلد، وأن مسألة إمساك هذا الحزب بقرار الحرب والسلم (الذي يمكن بالمناسبة أن يدمر البلد ويطيح بحكومته ومؤسساته)، هي مسألة وجب لهذا العالم التعامل معها، مع التسليم بأن بيروت لا تستطيع في مواجهتها شيئا.
وللمفارقة فإن تصريحات الحريري لم تستفز حزب الله. التدويل الذي تشي به تلك التصريحات يؤمن للحزب موقعا خاصا، ليس داخل المشهد اللبناني المحدود، بل داخل ذلك الدولي الكبير. قد يقرأ الحزب أن مواقف رئيس الحكومة اللبنانية تظهر للعالم أجمع، وهذه المرة بشكل رسمي صادر عن مرجع رسمي، حقيقة أن حزب الله ليس حزبا لبنانيا بل قوة إقليمية داخل لبنان تؤثر في قراراته السيادية، وجب التعامل معه دوليا بصورة مستقلة عن تعامل دول العالم مع لبنان، أو أكثر من ذلك التعامل معه بصفته ملحقا نهائيا ملتصقا بكيانية لبنان القانونية في العالم، وليس حادثة ظرفية مؤقتة يتم تدبيرها داخل منظومات الحكم والسياسة والأمن في لبنان.
وفي الهمّة التي تقودها الولايات المتحدة هذه الأيام بشخص ديفيد شنكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى الذي يطل على لبنان (الأربعاء) ما قد يؤسس لقواعد عمل جديدة سترسيها أعراف أميركية في التعامل مع لبنان وحزب الله كحالتين منفصلتين.
تعمل واشنطن على تفعيل وساطتها لإنهاء النزاع الحدودي، البري والبحري، بين لبنان وإسرائيل. وترسل واشنطن موفدها آخذة بعين الاعتبار أن نجاح مهمته يحتاج منطقيا إلى تبديد احتمالات نشوب حرب جديدة تشنها إسرائيل ضد حزب الله في لبنان. ولا يمكن أن تبنى أي استراتيجية جدية لإقفال الملف الحدودي وفتح ملف التنقيب عن الطاقة في المياه اللبنانية وتفعيل ذلك القطاع في منطقة شرق المتوسط إلا بالانكباب جديا على معالجة “حالة” حزب الله.
حسابات داخلية
منذ أيام، وخارج أي سياق، وربما من صلب سياقات ليست ظاهرة، يتنبأ وزير الداخلية اللبناني السابق نهاد المشنوق بأن “لا نفط ولا غاز، من دون الاتفاق الجدّي والحاسم على الاستراتيجية الدفاعية اللبنانية”.
ربما في ذلك الموقف حسابات داخلية تنتقد دفن عون لتلك الاستراتيجية بسبب “تبدل الظروف”، وتغمز من قناة لا مسؤولية لبنان عن سلاح حزب الله وفق اجتهادات الحريري الجديدة. إلا أن ورشة الرسم الجارية حاليا لخرائط المنطقة ومسار التوازنات الدولية داخلها، لا يمكن إلا أن تلحظ معالجة ما لظاهرة حزب الله في لبنان.
تدفع إسرائيل بملف مصانع الصواريخ التابعة للحزب، وتتهدد بالنار ممر طهران بيروت الشهير. باتت ورش التنقيب عن الغاز التي تهتم لها واشنطن كما فرنسا وإيطاليا وروسيا ودول البحر المتوسط مفعّلة لإطلاق إحدى أكبر ثروات العالم الجديدة. وتعد ترتيبات للمسألة السورية التي بدا أن التلويح التركي بإعادة دفع اللاجئين إلى أوروبا يعيد إيقاظ العالم عليها. على هذا تتعملق الملفات على النحو الذي يعيد تسليط المجهر على حزب الله ودوره داخل تلك الملفات.
الأمر يتطلب تدويلا، وفق ما يتسرب من تصريحات الحريري، ومع ذلك على لبنان أن يقرر ما إذا كان يريد العالم أن يتعامل معه بصفته دولة مستقلة أم يريد للعالم أن يقبل بأمره الواقع ويتبنى ويرعى وصاية حزب الله عليه كما قبل ورعى وصاية نظام دمشق قبل ذلك.