عادل المدوري يكتب لـ(اليوم الثامن):
الجنوب والإمارات والسعودية.. تكتيك متبادل وإستراتيجية ثابتة
النقطة الهامة التي أود التأكيد عليها هي أنّ الإمارات شريك أساسي وإستراتيجي وقيادي في التحالف العربي باليمن، وقضية المشاركة في التحالفات الدولية ليست لعب عيال أو نزهة جوية، يُستمتع فيها ببضع طلعات جوية، وضرب مواقع متنوعة، ثم ترى تلك الدول المشاركة هل الوضع تحت السيطرة، فيستمر التحالف، وإذا كانت الأمور ليست على ما يرام انسحب منه.
القضية ليست بهذه البساطة كما يتخيلها البعض؛ فالتحالفات تعني المشاركة في المشاريع والأهداف الإستراتيجية التي قامت من أجلها تلك التحالفات حتى تحقيق الأهداف الكبرى والشاملة ونهاية المهمة.
هدف التحالف العربي في اليمن هو قطع يد إيران من خلال ضرب جماعة الحوثي الإيرانية، وتدمير المنظومة العسكرية الضخمة التي حصلت عليها ميليشيا الحوثي من المخلوع صالح، وقبل هجوم الحوثي وصالح على العاصمة عدن عام 2015م، كان الأمير محمد بن سلمان قد قالها آنذاك إن عدن خط أحمر.
لكن جماعة الحوثي وصالح تجاوزت الخطوط الحمراء، واجتاحت عدن، وهرب الرئيس هادي مستغيثاً بالمملكة العربية السعودية، وبملك الحزم سلمان بن عبدالعزيز، فقامت الساعة على الحوثي وصالح حينما أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز انطلاق عاصفة الحزم في 25 مارس عام 2015م، للقضاء على مطامع عبيد إيران بالسيطرة على باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر.
قام التحالف العربي بمشاركة عشر دول وعلى ثلاثة محاور أساسية؛ وهي العسكري والسياسي والإنساني والمنضوي تحته إعادة الإعمار لما خلفته الحرب، الإمارات والسعودية شريكان قياديان في التحالف وفي جميع العمليات، تولت الإمارات الجنوب ونجحت في تحريره بفضل إخلاص وصدق الجنوبيين في قتالهم ضدّ الحوثي وصالح.
بينما تولت السعودية الغطاء الجوي للمعارك في الجنوب والشمال، بالإضافة إلى جبهات الحد الجنوبي للمملكة، وكذلك دعم حلفائها التقليديين أمثال الشاويش علي محسن الأحمر الذي أنشأ جيشاً إخوانياً في مأرب تابعاً لحزب الإصلاح لأهداف السيطرة على الجنوب، ونهب الثروات، وهي أهداف خارجة عن الهدف العام للتحالف العربي وعملياته في اليمن.
كما دعمت السعودية أيضاً جماعات وقوى شمالية غدرت بالسعودية واستنزفتها في معارك وهمية طوال خمس سنوات، اكتشف التحالف العربي فيما بعد أنها عميلة مزدوجة للحوثي، وتتلقى الأوامر من قطر وتركيا، فأقالت السعودية لجنتها الخاصة المكلفة بالملف اليمني، وكلفت الأمير الشاب خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي بإدارة الملف اليمني.
طوال عمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل كانت جميع العمليات السعودية والإماراتية في الجنوب أو الشمال تصب في إطار المحاور الثلاثة؛ العسكري والسياسي والإنساني، ويتم تقاسم الأدوار بين السعودية والإمارات في جميع المناطق والمحاور ضمن الاتفاق والتوافق الحقيقي الإستراتيجي القائم على أسس وقواعد راسخة ومتينة وصلبة تجمعهما الأهداف المشتركة على الأصعدة: السياسية والاقتصادية والأمن القومي للبلدين، والمصالح المشتركة والمصير الواحد.
الإمارات والسعودية تتحركان اليوم في الجنوب وفق خطة إعادة الانتشار وكذلك وفق المحاور الأساسية التي أنشئَ من أجلها التحالف العربي، وتعمل دولة الإمارات على الصعيد العسكري والسياسي وتماشيا مع التوجهات الحالية للتيارات السياسية المؤثرة في البيت الأبيض، وضغوطات المجتمع الدولي الذي يلقي بثقله الكامل على جميع أطراف الصراع في اليمن لوقف الحرب.
فالتحول الحاصل اليوم في التحالف العربي هو الانتقال الجزئي من الإستراتيجية العسكرية إلى الإستراتيجية السياسية والسلام، وأعتقد أنّ سياسيين إماراتيين ألمحوا في أكثر من مرة، وفي أكثر من محفل إلى ترتيبات المرحلة القادمة، وإلى قرب إنهاء الحرب في اليمن وفق تسوية سياسية شاملة، وصناعة سلام حقيقي لا يستثني أحداً.
بالتالي لن تغادر الإمارات المشهد اليمني بالكامل، وأن سحبت معظم قواتها، بعد أن دربت ما يزيد على 90 الف جندي في الجنوب، فلا حاجة لبقاء آلاف الجنود الإماراتيين، طالما أن المرحلة المقبلة هي مرحلة سياسية، ويمكن التعويض بجنود سعوديين للإشراف على إدارة الجنوب بالشراكة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمتلك القوة ويسيطر على معظم المحافظات الجنوبية.
وستظل دولة الإمارات تلعب أدواراً مهمة بالإضافة إلى دورها في التحالف العربي في مواجهة إيران والجماعات الإرهابية من تنظيم داعش، فهناك أدوار هامة لدولة الإمارات في اليمن خصوصاً وفي الشرق الأوسط بشكل عام، ضمن الإستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب.
في تصوري الشخصي لن يحدث انسحاب كامل وشامل وبالمعنى الحرفي، وإنهاء للدور الإماراتي كما يحلم تيار حزب الإصلاح المسيطر على حكومة الشرعية، فالمتابع للشأن الداخلي لليمن يدرك حجم التحديات الكبيرة، والتبعات الخطيرة للفراغ الذي سوف تتركه دولة الإمارات إن غادرت اليمن بالكامل.
فالفراغ هذا قد يوفر حظوظاً لأطراف إقليمية ودولية، تسعى للحصول على النصيب الأكبر، خصوصاً في الممرات المائية الدولية، ستسعى لاستغلاله تلك القوى المتربصة والطامعة بالسيطرة على عدن بكل الوسائل الممكنة. فإلى الشرق من عدن يتآمر حلف قطر وتركيا وعمان مع وزراء من الحكومة الشرعية وممثلين عن جماعة الحوثي لتشكيل جبهات ضد مشروع التحالف العربي ويراد له الانطلاق من محافظة المهرة إلى عدن لمحاولة السيطرة مرة أخرى على مضيق باب المندب.
لذلك إحلال قوات سعودية محل الإمارات في الجنوب بالتزامن مع خطة إعادة الانتشار والتموضع، بينما ستبقى الإمارات موجودة في التحالف العربي تعمل في المحاور العسكرية والسياسية والإنسانية، وسيبقى التحالف العربي سداً منيعاً وحصناً حصيناً أمام المخاطر التي تواجه المشروع العربي، وسيُمّكن أبناء الجنوب من أرضهم يدافعون عنها بدعم مباشر من السعودية والإمارات، ولن ترضى السعودية والإمارات بعودة الحوثي والجماعات الإرهابية إلى عدن مهما كلف الأمر.