سمير عطا الله يكتب:

العالم بيسارها

كُلّما قررت الخروج من أحداث لبنان، خوفاً من أنني أكثرت به على جنابكم، وقع شيء لا يمكن تجاهله «صحافياً» حتى في الصين. في بداية الثورة وضع الأستاذ نجيب ساويرس تغريدة عن جمال المتظاهرات اللبنانيات تسببت في ثورة عليه. ورأى البعض في الطرفة الذكية إهانة لدور المرأة اللبنانية في عمل هام. ولم يشفع لرجل الأعمال دفاعه عن نفسه بأنه بصفته مصرياً ملزم بالبحث عن النكات في الأزمات.
لكن منذ تغريدة ساويرس وأنا ألاحظ هذا الظهور الهائل للمرأة في إطار الثورة: هي المراسلة الأولى، وهي المتحدثة الأولى باسم الثوار، وهي التي تنظف الشوارع والساحات في الصباح بعد اعتصامات الأمس. وثمة شيء لم أكن أعرفه إلى أن شاهدت البرنامج على «M.T.V» صباح الخميس: أربع سيدات يتحدثن عن حضورهن في الساحات، إلى جانب أبنائهن وبناتهن، يقدمن الطعام، يرفعن الإعلام، وعند الحاجة، يتصدين لرجال الأمن لحظات الاقتحام. وما ذنب نجيب ساويرس وذنبي وذنوب المشاهدين العرب، إذا كانت تلك السيدات، إلى جانب كل ذلك، من ذوات الحسن وأهل الرقة وإن في الجمال لسحراً؟
نزلت المرأة اللبنانية إلى الساحات تقول إنها شريكة في الوطن وقضاياه وأرضه. وإنها أم وابنة مثل جارَيها في الساحة، الأب وابنه. ولم يكن نجيب ساويرس يقصد أي نقد أو سخرية؛ ففي بلده الجميل ثماني وزيرات، ورئيسة أهم جامعة اقتصادية في بريطانيا مصرية، وأيام ميدان التحرير كانت المرأة في الدور الأول.
لا أعرف كم يمضي المسؤولون اللبنانيون من الوقت أمام التلفزيونات. يحسن بهم الإصغاء قليلاً إلى الأمهات لكي يعرفوا في أي بلد يعيشون وأي بلد يحكمون. نحن البلد الذي وزيرة داخليته أم أيضاً. بل كانت ريا الحسن بين الأسماء التي طُرحت أيضاً لرئاسة الحكومة في النهضة الحالية.
السلطة وحدها غائبة عن هذه اليقظة العارمة. وحدها لا يعنيها أن تتأمل وجوه المتظاهرين ومدى نضجهم الثقافي والسياسي والوطني. قال لي دكتور في الحقوق: «لقد أشعرنا بالخجل وبالتخلف هؤلاء الشبان. يريدون وطناً معافى يشبههم، لا وطناً متهالكاً يشبهنا».
لم تعطِ المرأة الثورة صورة الجمال فقط. أعطتها أيضاً قلب الأم وشجاعتها وعظمة أمومتها. كان نابليون يقول: المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها. ومعه السلطة في لبنان.