عبد الرحمن الراشد يكتب:

العراق في خطر شديد

قد يتحول هذا البلد الذي يتطلع للخروج من أزماته إلى دولة الفوضى، إلى سوريا أخرى ما لم يتدارك السياسيون والبرلمانيون والأجهزة العسكرية الأمر، وقطع الطريق على «الطرف الثالث». فحملة استهداف المحتجين العزل تكبر وتزداد عنفاً ودموية، وستدفع المحتجين إلى التحول للعنف! ويشار إلى مرتكبي جرائم القتل من الملثمين والمجهولي الهوية بالطرف الثالث، وهي الميليشيات المدعومة من إيران والتي تحصل على أموالها ومرتبات عشرات الآلاف من منسوبيها من الحكومة العراقية. وحتى الآن، قتل نحو خمسمائة من المحتجين وجرح عشرون ألفاً في شهرين، وذلك منذ اندلاع المظاهرات مطلع أكتوبر (تشرين الأول). الهجوم على المتظاهرين أول من أمس، الجمعة، كان الأجرأ والأعنف، حيث قتل مجهولون نحو خمسين شخصاً في العاصمة بغداد ووقفت الأجهزة محايدة.
ولأنه لا أحد يسمي القتلة بالاسم، مع أنه سر معروف للجميع، سواء كانوا «عصائب الحق» أو ربما غيرها من الجماعات المسلحة المتورطة، فإن العنف المنظم سيستمر وستفقد الدولة العراقية يوماً تلو الآخر السيطرة على الأوضاع.
هذه الميليشيات تتجرأ على الدخول في مواجهات لأنه لا أحد يسميها بالاسم، وليس هناك من تحذير علني ضدها، وتستغل صفتها شبه الرسمية. الميليشيات هذه تعيش على أموال الحكومة نفسها ولا تأتمر بأمرها، رغم محاولات عديدة جرت لترويضها. والجيش، المؤسسة العسكرية الرسمية، الجالس يترقب ولا يتدخل، قادر على لجم الميليشيات التي يشتكي أساساً من اعتمادها ضمن القوات المسلحة مع أنها في الأصل غير نظامية وتتصرف كما لو أنها تابعة لدولة أجنبية.
لا أحد يريد دفع الأمور في العراق نحو الصدام، لا دول الجوار ولا القوى الكبرى، لكن الجميع يرى بقلق كيف أن طهران تريد السيطرة على القرار والأجهزة؛ لأنها تعيش ضائقة خطيرة مالية واقتصادية وأمنية داخلية وترى في الجارة العراق الأرض الرخوة والنظام الضعيف.
ماذا عن الذين يروّجون لمقولة إن الاحتجاجات المدنية هي مشروع لتغيير النظام السياسي العراقي ولهذا يجب قمعها؟ في الواقع هؤلاء المتذرعون بدعوى الخوف على النظام من المحتجين هم من يحاولون فرض التغيير والاستيلاء على ما تبقى من كيانات الدولة التي تمثل العراق الوطن والدولة. أما الاحتجاجات، وعلى الرغم مما شابها من فوضى، وما رفعه البعض من مطالب غير واقعية، فهي في الحقيقة تعزز النظام لأنها تدعو للتغيير والتصحيح من داخله وليس الانقلاب عليه. المحتجون يعترفون بمؤسسة الدولة وأقصى مطالبهم الدعوة إلى انتخابات مبكرة ومحاسبة المتورطين في الفساد، وجميعها تعود للتشريعات والمؤسسات الدستورية التي لم تفعّل بكل أسف خلال السنوات الماضية.
الميليشيات، وبعض القوى السياسية، ترفض دعوات المحتجين لأنها لا تريد تصحيح الأوضاع الخاطئة المستفيدة منها.
المحتجون هم قوة الدولة، وهم فرصة النظام السياسي ليستفيد من صرختهم ودعواتهم لإصلاح الوضع الذي يستحيل عليه تحقيقه دون ضغوط الشارع. حماية المحتجين حماية للنظام، وردع قتلة المحتجين هو ردع للخطر الأكبر على الدولة الحديثة الذي يتمثل في الميليشيات، التي اتضح أنه لم يفلح ضمها للقوات المسلحة في ضمان تبعيتها للوطن. فقد استمرت أذرعاً متمردة خطيرة، ومصدر هدر مالي هائل، وكيانات هادمة.