عمار علي محسن يكتب لـ(اليوم الثامن):

ما بعد مقتل قاسم سليم

لم يكن قاسم سليماني قائد فيلق القدس رجلا عاديا في إيران، إذ إنه يقع في قلب مشروع طهران الإقليمي، ولا يمثل مجرد أداة تنفيذ له، إنما هو مشارك في صناعته، بل إن له اليد الطولي فيه، ولذا فإن غيابه يمثل خسارة كبيرة لإيران، لاسيما أن أحدا من العسكريين والسياسيين الإيرانيين ليس بوسعه أن يعوضه، ما يدل عليه الفارق الواسع، الذي لا يخفى على المتابعين، بينه وبين خليفته، الذي كان نائبه، إسماعيل قاآني.

يمكن لإيران أن تنتقم لسليماني، وهو ما يُعلن من الصفوف الخلفية في السلطة الإيرانية حتى الآن، لكن الانتقام لا يعني أن كل شيء سيعود إلى ما كان عليه. نعم لإيران استراتيجية، أو خطة طويلة الأمد، لكن كثيرا من الخطط لا تحتاج إلى مجرد وضعها على الورق متماسكة وتدبير الأموال التي تخدمها، إنما تتطلب الصبر الطويل في سبيل تنفيذها، واليقظة، والكفاءة في إدارة التفاصيل، أو السياسات والمحطات الدبلوماسية وكذلك المعارك الصغيرة، مثل تلك التي كان سليماني يشرف عليها في العراق قبل اغتياله، أو الأكثر اتساعا مثل نفوذه العميق الواسع في مجريات الحرب الأهلية السورية، وحرب اليمن، ومواجهات حزب الله مع إسرائيل التي هي محل اختبار دائم، أو أنها تشكل ورقة مهمة في يد إيران في إدارة الصراع الإقليمي.

قبل اغتيال سليماني كان كثيرون يعتقدون أنه مجرد قائد فرعي في الحرس الثوري الإيراني، لكن بعد موته وضع كثيرون على جنازته لافتة تقول: "الرجل الثاني في النظام الإيراني"، ولم تكن هذه مبالغة، فهو، المؤمن بأيديولوجية "آيات الله"، كان غير رعاتها ممن يكتفون بالوعظ والإرشاد، وكان يمتلك مساحة واسعة من البراجماتية كي يطبق رؤاها كيفما شاء، متروكة له حرية الحركة، ثقة فيه، أو استجابة لقدرته على الإقناع، أو حاجة الخطة الإيرانية إلى قدراته.

إن إيران لن تتراجع بمقتل سليماني عن أطماعها في المحيط العربي، التي جعلت المقتول يتباهى ذات يوم بأنه يتحكم في إدارة أربع دول عربية، لكن من ذا الذي بوسعه أن يملأ الفراغ الكبير الذي تركه رأس حربة المشروع والخطة؟ ومن يعوض شبكة العلاقات التي بناها بشخصه؟ ومن يستطيع أن يستعيد تجاربه في التعامل مع القوى التي تدور في فلك طهران على أرض العرب؟

أعرف أن الجيش والدبلوماسية والمؤسسة السياسية الإيرانية بها قادة وساسة، بعضهم يفوق سليماني من حيث الرتبة العسكرية أو المكانة السياسية أو الموقع الدبلوماسي، لكن هذه الإمكانيات منصرفة إلى إدارة الداخل والسيطرة عليه، وليس المكان الذي تتصرف السلطة في طهران وكأنه يشكل مجالا حيويا لإيران في بلاد العرب، والذي تراهن هذه السلطة عليه كأوراق توظفها في إدارة الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية.

لكل هذا فإن ذهاب سليماني على هذا النحو سيؤثر من دون شك على طريقة إدارة السياسات العسكرية الإقليمية لإيران، والانتقام له، مهما كان حجمه، لكن يعيد هذه الطريقة إلى سابق عهدها.