عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران على حافة الانهيار: نظام الملالي بين القمع والمقاومة
ما تشهده إيران اليوم يتجاوز توصيف "الأزمة" إلى واقع تفكّك تدريجي لمقومات الدولة. فالنظام القائم لم يعد قادرًا على أداء وظائفه الأساسية: ضبط الاقتصاد، إدارة المجتمع، أو إنتاج حدّ أدنى من التوافق الوطني. الانهيار المالي، وتآكل القدرة الشرائية، واتساع رقعة الفقر، ليست أعراضًا معزولة، بل نتاج مباشر لخيارات بنيوية اتخذها نظام الملالي حين جعل القمع والتوسّع الإقليمي أولويته القصوى، على حساب التنمية والاستقرار الداخلي.
سلطة بلا شرعية ومؤسسات بلا وظيفة
سياسيًا، دخل النظام مرحلة الفراغ الشرعي الكامل. فإلغاء التعددية، وتفريغ الانتخابات من مضمونها، وتحويل البرلمان والحكومة إلى أدوات تنفيذية بيد الولي الفقيه، ألغى أي وهم بوجود "عملية سياسية". لم يعد النظام يمثّل الدولة، بل يحتكرها بالقوة. ومع سقوط فكرة الإصلاح من الداخل، بات الشارع الإيراني يتعامل مع النظام بوصفه عقبة وجودية، لا سلطة قابلة للتصحيح.
القمع كاستراتيجية أخيرة للبقاء
في مواجهة هذا الواقع، لم يجد النظام سوى تعظيم القمع بوصفه أداة الحكم الوحيدة المتبقية. الإعدامات، والاعتقالات الجماعية، وتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية، لم تؤدِّ إلى استعادة السيطرة، بل عمّقت القطيعة مع المجتمع. إن السلطة التي لا تحكم إلا بالخوف، تعترف ضمنيًا بأنها فقدت كل أدوات الإقناع والضبط السياسي. وهنا تكمن خطورة المرحلة: القمع لم يعد رادعًا، بل محفّزًا على التمرّد.
المقاومة في الداخل: من الاحتجاج إلى التنظيم
في مقابل هذا التآكل، تشهد إيران توسّعًا لافتًا في بنية المقاومة الداخلية. لم تعد الاحتجاجات عفوية أو معزولة، بل باتت أكثر تنظيمًا وانتشارًا، تقودها شبكات شبابية ونسوية وطلابية كسرت حاجز الخوف وفرضت معادلة جديدة: الشارع لم يعد ساحة مضمونة للنظام. إن تكرار الانتفاضات، رغم القمع الدموي، يؤكد أن الانفجار الشعبي لم يُجهَض، بل جرى تأجيله، وأن عوامل اشتعاله تتراكم بهدوء ولكن بثبات. إن تكرار الانتفاضات، واتساعها الجغرافي، واستمراريتها رغم الكلفة البشرية العالية، وعمليات وحدات المقاومة، يكشف عن تجذّر الوعي الاحتجاجي داخل المجتمع. الأجيال الجديدة، المنفصلة نفسيًا وتاريخيًا عن سردية النظام، لم تعد ترى في بقائه خيارًا، بل خطرًا. ومع هذا التراكم، يلوح انفجار شعبي واسع لم تُحدَّد ساعته بعد، لكن شروطه باتت مكتملة.
المقاومة الخارجية وكسر الحصار السياسي
خارج إيران، يتّسع نطاق المقاومة السياسية والإعلامية والدبلوماسية، مستفيدًا من انكشاف النظام دوليًا بسبب سياساته الإقليمية وسجله الحقوقي. خارجيًا، لم يعد النظام قادرًا على احتكار تمثيل إيران. لقد نجحت قوى المعارضة في نقل المعركة إلى الفضاء الدولي، وتفكيك سردية النظام بوصفه "شريكًا عقلانيًا"، ونقل الصراع من نطاقه الأمني الداخلي إلى فضاء سياسي وحقوقي عالمي ليظهر على حقيقته كعامل عدم استقرار. هذا الامتداد الخارجي لا يكمّل الحراك الداخلي فحسب، بل يحصّنه من العزلة ويمنحه عمقًا استراتيجيًا، و يفضح هشاشة هذا النظام الفاشي ويُسقط عنه صفة "الاستقرار"، التي طالما استثمر فيها دبلوماسيًا.
نظام يسرّع سقوطه بيديه
بدل مراجعة سياساته، يواصل النظام تراكم الفشل عبر الهروب إلى الأمام، معتقدًا أن الزمن يعمل لصالحه. لكن المؤشرات كافة تقول العكس: استنزاف الموارد، تصاعد الغضب، وانكشاف دولي متزايد. إن استمرار هذا المسار لا يؤجّل السقوط، بل يسرّعه.
مسارات عملية لمواجهة أزمة إيران
أولًا: الاعتراف بحق الدفاع المشروع
يتعيّن الاعتراف بحق الشعب الإيراني، ولا سيما الشباب الثائر، في الدفاع المشروع عن نفسه في مواجهة القمع المنهجي الذي تمارسه أجهزة النظام، وعلى رأسها حرس النظام، باعتباره حقًا سياسيًا وأخلاقيًا مشروعًا.
ثانيًا: دعم البديل الديمقراطي
يشكّل برنامج السيدة مريم رجوي ذي النقاط العشر الإطار الواقعي الوحيد لإقامة إيران ديمقراطية، حرة، غير نووية، قائمة على فصل الدين عن الدولة وضمان الحقوق المتساوية لجميع المواطنين.
ثالثًا: تصنيف حرس النظام كمنظمة إرهابية
يُعد إدراج حرس النظام على لوائح الإرهاب الدولية خطوة أساسية لتفكيك بنية القمع، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، وقطع الطريق أمام استمرار النظام في زعزعة الاستقرار داخليًا وإقليميًا.
خلاصة استراتيجية
إيران تقف اليوم أمام منعطف تاريخي حاسم. نظام الملالي لم يعد يواجه معارضة، بل مجتمعًا في حالة تمرّد صامت. ومع كل يوم يمر، يقترب السؤال الحقيقي من لحظة الإجابة: ليس إن كان النظام سيسقط، بل كيف ومتى خلاصة استراتيجية
إيران تقف اليوم أمام منعطف تاريخي حاسم. نظام الملالي لم يعد يواجه معارضة، بل مجتمعًا في حالة تمرّد صامت. ومع كل يوم يمر، يقترب السؤال الحقيقي من لحظة الإجابة: ليس إن كان النظام سيسقط، بل كيف ومتى.
عبدالرزاق الزرزور محامي وناشط حقوقي سوري

