بهاء العوام يكتب:
إدلب وترامب وسليماني
كم من السوريين يتمنون لو أن الولايات المتحدة الأميركية قتلت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قبل سنوات طويلة. ربما لم تكن معادلات الميدان في الحرب لتتغير كثيراً، ولكن من المؤكد أن أعداد القتلى والجرحى والنازحين من المحافظات التي خرجت عن سيطرة النظام كانت ستكون أقل.
عندما خرج الرئيس دونالد ترامب ليبرر قتل سليماني لم يقل إنه انتقم للسوريين. ولكن الكثير من السوريين شعروا أنه ثأرهم. احتفلوا وتبادلوا التهاني حتى أن منهم من وزع الحلوى وأقام الولائم. لم يشعروا بهذا النصر عندما قتل زعيم داعش أبوبكر البغدادي، رغم اعتقادهم بأنه كان صنيعة النظام.
قتل سليماني في الوقت الذي يقتل فيه عشرات السوريين كل يوم في إدلب بسبب آلة الحرب التي كان الجنرال الإيراني عقلاً مدبراً فيها. لم يقتل من أجلهم وإنما اغتيل من أجل جندي أميركي قتل في قاعدة عسكرية لواشنطن في العراق، بعد مهاجمتها من قبل مسلحين تابعين لإيران، وفقا للرواية الأميركية.
احترق سليماني بصواريخ أميركية ليس لأن ميليشياته في سوريا تحاصر أبواب إدلب بالنار والحديد. وإنما لأن ميليشياته في العراق حاولت اقتحام السفارة الأميركية في بغداد. لم ينزح من السفارة سوى السفير وبعض الموظفين، ولكن نزح عشرات الآلاف من إدلب خلال الأشهر القليلة الماضية.
قَتل سليماني كان من الأشياء التي يمكن أن تساعد بها الولايات المتحدة السوريين منذ سنوات. إصدار قانون قيصر قبل سنوات كان يمكن أن يساعد أيضاً. بناء قواعد لها غرب الفرات كما في شرقه كان يمكن أن يفيد كذلك. والأفضل من كل هذا كان إسقاط النظام أو الانسحاب تماماً من سوريا.
تتربع الولايات المتحدة اليوم على رأس قائمة المنافقين في حماية السوريين. وحدها كانت ولا تزال تستطيع وقف الحرب في إدلب، ولكنها تفضل انتظار ما ستنتهي إليه اتفاقات روسيا وتركيا. لا يهم كم يمتد الانتظار، وكم يموت وينزح من السوريين فيه، المهم ألّا يخسر الرئيس الأميركي المال هناك.
لم يأخذ ترامب بعين الاعتبار أن وقف الخدمات المجانية لجيشه في المنطقة، هو قرار لا يجب أن يطبق على المدنيين. لا يقدر السوريون في إدلب على دفع الملايين للرئيس الأميركي من أجل توفير الحماية لهم. وإن لم يفعل ترامب ذلك مجاناً فلن يتجرأ أحد على فعل ذلك مهما كانت دوافعه.
نفاق واشنطن في حماية السوريين لم يبدأ من إدلب؛ بل بدأ منذ أن فوضت موسكو وطهران بإدارة أزمتهم قبل سنوات، وجلست هي في صفوف معارضة دمشق. قدمت في ذلك خدمة مزدوجة لنظام بشار الأسد، حيث أطلقت يد حلفائه من جهة، وكبلت يد المعارضة وأصدقائها من جهة أخرى.
تدين الحرب في إدلب الولايات المتحدة بقدر ما تدين النظام وحلفاءه. خاض النظام حربه على السوريين منذ البداية بعنوان مكافحة الإرهاب، وخسرت فصائل المعارضة حربها معه لأنها لم تقنع العالم بأنها ليست إرهاباً. لها أخطاؤها الكثيرة في هذا، ولكن ذلك لا يعفي أميركا ودولا عدة من المسؤولية.
العديد من الدول ساهمت في تسليح المعارضة السورية منذ بداية الثورة. كان يمكن لهذا الخيار ألّا يجلب كل هذا الموت إلى البلاد لو لم تسيطر الفصائل المسلحة على المدن. وكان يمكن أيضا لسيطرة الفصائل على المدن أن تنتهي دون ضحايا أو بُعشر أو خمس العدد، لو أنها انتهت بطرق أخرى.
لن يفيد البكاء على الأطلال شيئاً ولن يعيد التمني عقارب الزمن إلى الوراء. الحقيقة أن الجميع ارتكب أخطاءً وخسر رهانات في هذه الحرب. ليس فقط الأطراف المحلية وإنما الدولية أيضاً. ومن دفعوا الثمن نيابة عن الجميع، هم السوريون الذين قُصفوا واعتُقلوا وغرقوا وتشردوا في أصقاع العالم.
لكي نسمي الأشياء بمسمياتها لا بد من تضييق دائرة الأطراف المعنية في معارك إدلب؛ أولئك الذين يتحملون وزرَ ما يجري هناك. ليس فقط من يقصف المدنيين، وإنما أيضاً الذين ينافقون في ادعاء حمايتهم. فهنا يتساوى القاتل والمنافق في الجرم، ويتحمل الاثنان مسؤولية ما يلحق بسكان المدينة.
في قائمة المنافقين تأتي تركيا بعد الولايات المتحدة مباشرة، فهي من تاجر بدماء السوريين لمرات ومرات بحجة الدفاع عنهم ونصرة لقضيتهم. وعندما قتل سليماني الذي نكل بهم، خرجت أنقرة لتقول إن اغتياله تصعيد يهدد استقرار المنطقة، ويزيد من دائرة العنف الذي ستعاني منه جميع الأطراف.
ربما يجب أن يعاني الجميع من العنف كي يعرف أن حماية المدنيين لا يجب أن تخضع للمساومة والابتزاز. وإن كان ترامب يقول اليوم إنه قد قتل سليماني ليمنع الحرب وليس ليشعلها، فالسوريون يصرخون منذ سنوات طويلة، بأن ردع إيران هو ما يجلب السلام للمنطقة وليس مهادنتها ومسايرتها.