مشاري الذايدي يكتب:

صخب «المهرجانات» وشاكوش الأغنيات

في مصر تمَّ الاصطلاح على وصفها بـ«أغاني المهرجانات» - لها نظيرات في المجتمعات العربية؛ بل كل مجتمعات العالم - وتعدّ لوناً من ألوان التمرد على «المدرسة» الموسيقية وتقاليد «المَغْنى» والفنّ... زد على ذلك أن المهن الفنية؛ من غناء وتمثيل... وغيرها، لها هيئات ونقابات وجمعيات تتولَّى أمر المجال، وأهل المجال.
طغت أغاني المهرجانات في مصر منذ سنوات قريبة، لشباب غير معروفين في الوسط الفني، بأسماء توحي بالانتماء للحارات والشوارع الخلفية، وبيئة الشباب الجامحة، مثل: أوكا. أورتيغا. شاكوش... إلخ.
على ذكر شاكوش، فقد أطلق أغنية: «بنت الجيران»، وصارت، بلغة السوشيال ميديا، «ترند» عالمياً، وهو الأمر الذي أثار جزع نقيب المهن الموسيقية، الفنان المعروف هاني شاكر، والذي أعلن تشديدَ النقابة الحصار على ممتهني أغاني المهرجانات.
الاعتراض على أغاني المهرجانات وصل إلى البرلمان المصري، وصار قضية رأي عام، وكل يوم في برامج الحوار المصرية وصفحات الصحف ومنصات «فيسبوك» و«تويتر»، نجد من يناصر «المهرجانات»، ومن يعارضها، ومن يقف بَيْن بَيْن.
قدر كبير من المبالغة في الأمر، من الطرفين؛ فمن يرى أن ثمة «مؤامرة» لتخريب الفن المصري والذوق الوطني والهوية القومية، يجنح في مذهب ويشتطّ في رأيه. كما أنَّ من يجعل أغاني المهرجانات، نوعاً من تمرد شعبي على السلطة، وتعبيراً عن ثورة الهامش الشعبي على المتن السلطوي... إلخ، وهذه الرطانات، كذلك تاهت به السبل وحاد عن جادة الطريق.
في كل عصر، يوجد فن علني محترم، وفن سري لا يحظى بالاحترام العام، حتى وإن انتشر وذاع بين المهاجمين أنفسهم، ولو في السرّ!
في مصر نفسها، وفي عز «الزمن الجميل» كانت هناك «طقاطيق» وأغانٍ تشيد بالحشيش والخلاعة وغير ذلك، ليس فقط من «العوالم»، بل حتى من بعض مشاهير وأهرامات الفن المصري، آنذاك، ومن يفتش فسيرى! أغنيات مثل: «بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة» التي غنتها منيرة المهدية. ولمنيرة المهدية أيضاً أغنية غاية في الجرأة والتهتك: «قمره يا أموره... يا محني ديل العصفورة». ومنذ زمن منيرة المهدية حتى زمن شاكوش، وهذا الخط مستمر بالتوازي مع خط روائع وخوالد الفن المصري العظيم من عبده الحامولي، إلى سيد درويش؛ إلى عبد الوهاب، لأم كلثوم، لعبد الحليم وفريد، لهاني شاكر.
ما يسري على مصر، يسري على غيرها، وإنْ بدرجة أقل، ولذلك يجب ألا تحمل الأمور فوق حملها. وثمرة القول: الناس تَفرز الجيد من الرديء، ولا منع إلا ما يمنعه القانون الواضح، كالتحريض على العنف أو الكراهية، وكل ما يجرمه القانون صراحة.