محمد الحمامصي يكتب:
المسلسلات والأفلام العربية تساهم في النكوص الاجتماعي
للدراما المصرية دور كبير في تشكيل الصور الذهنية والإعلامية لدى المتلقي عن مختلف مرافق الحياة، ومن بينها المؤسسات، ومنها بطبيعة الحال المؤسسات العقابية وفي مقدمتها السجون، هذه الصور الإعلامية التي تخلق مادة ثقافية يتناولها الملايين من المصريين، بل والعرب، تشكل نافذة لإطلاعهم على عوالم خفية، فيها حيوات وعلاقات وحكايات ما كان للناس معرفتها لولا الدراما والسينما.
يتطرق كتاب “السجون والدراما.. المؤسسات العقابية في الدراما” للباحثين أشرف رجب الريدي وسارة مختار جمال، إلى الصورة الإعلامية التي تعرضها الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية المصرية للمؤسسات العقابية ونزلائها من السجناء وإداراتها والعاملين بها والسجون نفسها، وعلاقتها بالصورة الذهنية التي تتكون عن تلك المؤسسات وعناصرها لدى المشاهدين.
يلفت الباحثان في كتابهما، الصادر عن دار العربي، إلى أن كل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية تعمل على تحسين صورتها، ومن ضمن هذه المؤسسات التي لها دور بالغ الأهمية في المجتمع بصفة عامة المؤسسات العقابية والتي يطلق عليها أيضا المؤسسات الإصلاحية ومنها “السجون”، حيث يعد دور هذه المؤسسات من الأدوار الخطيرة التي تعمل على تقويم المجرم وتنفيذ العقوبة لما ارتكبه من فعل مخالف للقوانين.
التغيير الاجتماعي
في ظل دور الدراما كفن يحتل نسبة مشاهدة عالية عند الجمهور المصري وخاصة الفئات العمرية الصغيرة، والتي من ضمنها طلاب المرحلة الثانوية بشقيها الثانوي العام والفني. وفي إطار محاولة المجتمع تعديل سلوك الأفراد والحفاظ عليهم من الوقوع في براثن الجريمة، تعمل الدراما على عرض بعض المؤسسات التي تواجه السلوك المنحرف والسلوك المخالف وتقومه وهي المؤسسات العقابية، والتي يتم تناولها بصورة كبيرة على مستوى أنواع الدراما المصرية المختلفة سواء كانت من خلال الأفلام السينمائية أو المسلسلات التلفزيونية.
ويلفت المؤلفان إلى أن المسلسلات التلفزيونية تساهم في التغيير الاجتماعي، وتعمل على توجيه الأنظار إلى قضايا الناس، وذلك من خلال الإفادة منها في تهيئة الأفراد للقيام بدورهم في إحداث التغيير، والنمو الثقافي حيث ما يقرب من 70 في المئة من الصورة الذهنية التي تتشكل لدى الإنسان في المجتمع الحديث مستمدة من وسائل الإعلام الجماهيرية. والمسلسلات التلفزيونية تُصور في كل مشكلة مجتمعية لونا من ألوان الصراع. وتجذب جمهورا كبيرا؛ ذلك أنها عندما تُقدم في وسائل الاتصال المختلفة تعرض قصة مشوقة وأحداثا جذابة، كما تقدم شخصيات قد يتعاطف معها الجمهور، أو يحبها، أو يتوحد معها، أو ينفر منها، وللدراما أثر كبير في المساعدة في تحقيق نهضة المجتمعات وتثقيفها، وترسيخ التنمية الشاملة التي تنشدها كل الدول.
وأكد الباحثان على أن الجمهور يتعرض لسيل جارف من الأفلام والمسلسلات في وسائل الاتصال المختلفة لتحل هذه الوسائل محل الخبرات، حيث تعد الأعمال الدرامية من أكثر المواد التي تستميل جمهورا هائلا، فالأفراد قد ينهمكون في مشاهدة الأفلام أو المسلسلات ويتوحدون مع الأبطال ويعيشون أحلامهم وآلامهم، وقد ينسون الواقع الذي يعيشون فيه.
وباعتبار أن مرحلة المراهقة من المراحل المهمة والصعبة في حياة الإنسان حيث يقضي المراهقون وقتا طويلا للتفكير في مستقبلهم في هذه الفترة الانتقالية بعد التخلص من الطفولة، ويحاولون تعلم الأدوار التي سيقومون بها كناضجين، يصبح هؤلاء الأطفال المراهقين من أكثر الفئات عرضة لتأثيرات وسائل الاتصال، وخصوصا الأفلام السينمائية باعتبار أن هذه الفترة تعد حاسمة في تطوير الهوية الشخصية والذاتية لهم. ويبين البعض أن الأعمال الدرامية من أهم ما يُقدم في التلفزيون، حيث تلجأ إلى حيل عديدة لجذب الجمهور، إلا أنها قد تتناقض مع القيم وأخلاقيات المجتمع وسلوكياته المألوفة؛ ومن هنا كان التأثير الكبير للدراما في عملية التغير الاجتماعي؛ ما تسبب في ما يسمى بالتسيب وعدم الانضباط، وظهور أنواع عديدة من الجرائم وشيوع التفكك الأسري، وتدهور نمط الحياة في القرية والمدينة.
مادة منحرفة
يوضح المؤلفان أن الأفلام السينمائية تؤثر في نشأة السلوك الانحرافي لدى الشباب من خلال عدة طرق، حيث أن الأفلام تعد وسيلة شيقة ومثيرة للتسلية، قد تدفع الشباب إلى السرقة إذا لم يكن ميسرا له مشاهدة الأفلام في دور السينما، ويظهر الانحراف عندما يحاول الشباب محاكاة الأبطال، وتقليد ما يرونه على الشاشة، كما قد تؤدي الأفلام إلى انحراف القيم الأخلاقية بما تحويه من مشاهد الخلاعة والانحراف، وقد تثير كذلك النزعات الجنسية في أحط صورها، بالإضافة إلى أن عرض أفلام الجريمة يضعف الوازع الاجتماعي ما يؤدي إلى إدراك الشباب لطرق أخرى للكسب غير المشروع.
ويشير المؤلفان إلى أنه برغم أن هناك القليل من الأدب الأكاديمي الذي حاول استكشاف أفلام السجون، والتي انكشف أنها لم تناقش المعرفة التي يحصل عليها الجمهور من وسائل الإعلام لبناء صورة عن العالم، وصورة للواقع، بينما هذه العملية لها أهمية خاصة.
وفي رأي المؤلفين لا تزال هناك شكوك حول قدرة وسائل الإعلام على تصوير السجون بشكل مناسب، فغالبا ما يركز محتوى قصص السجون على أحداث استثنائية مثل أعمال الشغب والهروب والإفراج عن السجناء الخطيرين. لذا كان لزاما التعرف على ما الفرق بين الصورة الذهنية والإعلامية كمفهوم وإطار لتشكيل الواقع الاجتماعي والصورة الذهنية عن المؤسسات العقابية والتي تمثلها السجون في هذه الدراسة، ونظرية الغرس الثقافي والتي تعد إحدى النظريات التي تناولت تكوين وتشكيل الصورة من خلال وسائل الإعلام المختلفة وخاصة
التلفزيون.
وقد جاء الكتاب في أربعة فصول الأول منها أوضح مفهوم وأهمية المؤسسات العقابية (السجون) وعرض لأنواع هذه المؤسسات، وأمثلتها في مصر، ونظم إدارة المؤسسات العقابية، والسجون في اللغة ومعانيها المختلفة. بينما تطرق الفصل الثاني إلى الصورة الإعلامية والصورة الذهنية من حيث المفهوم، والفرق بينهما، وعلاقة كل منهما بالآخر، وكيفية تشكيل الصورة الذهنية، وأهمية تشكيل الصور في المؤسسات، وعلاقة الإعلام بتشكيل وتعديل الصورة الذهنية.
وتناول الفصل الثالث الإجراءات المنهجية لدراسات الحالة والأدبيات والدراسات السابقة، حيث تم إجراء دراسة حالة على الأفلام السينمائية في فترة زمنية محددة، ودراسة حالة أخرى على مسلسل “سجن النسا” ودراسة حالة ميدانية على طلاب المرحلة الثانوية وصورتهم الذهنية تجاه المؤسسات العقابية في ضوء تعرضهم للدراما المصرية. وأفرد الفصل الرابع لعرض صورة المؤسسات العقابية في الدراما ولدى الشباب والمراهقين في ضوء نتائج دراسات الحالة، والتوصل إلى الاستنتاجات والتوصيات المقترحة لهذه الدراسة في ضوء نتائجها.
وقد توصل الباحثان إلى عدد من النتائج منها ضرورة تفعيل دور الرقابة على الإنتاج الدرامي سواء في المسلسلات التلفزيونية أو الأفلام السينمائية. وتحقيق التعاون بين المؤسسات الحكومية باختلاف طبقاتها ومنها بطبيعة الحال المؤسسات العقابية، والجهات المنتجة للأعمال الدرامية وأجهزة الإعلام في الدولة للعمل على توصيل الرسالة المتعلقة بدور هذه المؤسسات بشكل سليم. إضافة إلى دعوة المؤسسات العقابية إلى تفعيل مكتب للعلاقات العامة إن وجد أو استحداثه وذلك لتحقيق التواصل مع المجتمع المحيط.