سلمان الدوسري يكتب:
إردوغان وحيد في المصيدة
عندما قرر إردوغان القيام بحملة عسكرية كبرى في الشمال السوري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اعتبر المراقبون أن هذه الخطوة الكارثية لن تكون سوى مستنقع عميق للنظام التركي، فيما اعتقد إردوغان كعادته أنه قادر على اللعب على الحبال، عبر احتلال المناطق الحدودية السورية، وهو حلم تركي قديم، مع ترسيخ هذا الاحتلال بضبط التوازن مع الولايات المتحدة وروسيا، ليجد نفسه اليوم في مواجهة سياسية عسكرية قاسية؛ فموسكو تبرر الهجوم العسكري على قواته بأن الجنود الأتراك كانوا يرافقون «جماعات إرهابية»، وفوق هذا تحذره من مغبة أي رد بأنه سيجد رداً أقسى منه، بينما واشنطن لم تتقدم خطوة واحدة نحو مساعدته فعلياً على أرض الواقع، أما «الناتو» الذي انتظر إردوغان منه مساعدة ولو على استحياء فرد عليه، عبر وزير خارجية لوكسمبورغ، الذي رفض تفعيل المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي ودعم تركيا في عمليتها العسكرية في إدلب السورية الخاصة بالدفاع الجماعي، موضحاً أن أنقرة لم تطلب موافقة الحلف على عمليتها أساساً في إدلب.
ولأن خيارات إردوغان محدودة جداً، ولأنه لا يستطيع الرد على الضربة العسكرية المذلة التي تعرض لها في إدلب، ولم يتمكن كذلك من جر الولايات المتحدة لمواجهة روسيا في سوريا وتدويل الأزمة السورية، لم يجد سوى الملف الجديد القديم، اللاجئين السوريين ليتاجر بهم، فالقضية بالطبع ليست إنسانية كما كان يروّج لها النظام التركي، بل استغلال كلما دعت الحاجة، وطالما ليست لديه القدرة لا العسكرية ولا السياسية على مواجهة الروس، فالحل الوحيد، الورقة نفسها، تهديد أوروبا بتدفق عشرات الألوف من اللاجئين، بينما الحقيقة أن هناك نحو ثلاثة ملايين مدني في إدلب يرزحون تحت ضغط المواجهة السياسية والعسكرية بين تركيا والنظام السوري منذ سنوات، ويعانون من أزمة إنسانية كبيرة في ظل القصف المستمر، والتضور جوعاً والتجمد برداً، مما جعلهم يفقدون الأمل من النجاة كما نقلت على لسانهم صحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية، وإذا كان النظام السوري طرفاً في معاناتهم، فقد زاد الاحتلال التركي لمناطقهم الطين بلة وزاد من مأساتهم.
كلما زادت تعقيدات النظام التركي السياسية والعسكرية، أصبح التخلص من شركها أصعب وإيجاد مخارج لها شبه مستحيل، واليوم يجد إردوغان نفسه عارياً سياسياً، تحت وطأة المذلة عسكرياً، وحيداً بلا حلفاء، وفوق هذا كله يواجه غضباً متصاعداً داخلياً، فأي مصيدة أوقع إردوغان نفسه فيها؟!