عبد الرحمن الراشد يكتب:
ماذا سنفعل لو لم يظهر علاج أو لقاح؟
هناك كثير من الأسئلة التي لا نرتاح لطرحها، ولا التفكير فيها، مع هذا ستفرض نفسها علينا مهما حاولنا التهرب والنسيان. نحن نتمنى أن نستيقظ في صباح قريب، ونسمع أنه تم تطوير علاج لـ«كورونا» لينتهي الكابوس ونخرج من منازلنا ونعود إلى حياتنا الطبيعية. حتى الآن، لا شيء من هذا حدث، حتى أكثر المتفائلين لا يعدنا أن نسمع به قبل العام المقبل.
لذلك سنعود ونعيد التفكير من الصفر. فغسل اليدين، والجلوس في البيت مناسب لشهر وشهرين وثلاثة، لكنه يبقى اعتقالاً منزلياً يساوي بين المصابين والأصحاء. الجيد أن الحجْر المنزلي يؤسس بين الناس عادات صحية جديدة، لو استمروا في الالتزام بها، مثل النظافة والتباعد، قد تنقذ حياتهم من دون الحاجة إلى حبس الناس في بيوتهم وقطع أرزاقهم.
الحلول غير العلاجية ساعدت في تقليل الخطر، لكنها فشلت في إنهاء الوباء. أولها الحجْر المنزلي. نظرياً، لو التزم به الجميع ولم يخرجوا من منازلهم، لانتهى الوباء. ساهم في تقليص عدد المصابين ولم يوقف الجائحة. والثاني الفحص الطبي. نظرياً، لو تم فحص كل السكان، وعزل المصابين منهم، لتوقف انتشار الفيروس. يبدو الأمر سهلاً لولا أنه لا توجد أجهزة فحص كافية. فالولايات المتحدة، أكبر بلد يجري الاختبارات، حتى الآن فحص 4 ملايين شخص، وبقي 300 مليون نسمة من سكانه!
العالم محبط وعاجز أمام هذا الوباء، والفيروس مستمر يجتاح البيوت والحدود ويعبر المحيطات، وآخر أرض غزاها هي «سان بيير وميكلون»، تابعة لفرنسا، جزر تقع شرق كندا سجلت أول إصابة بـ«كورونا» هذا الشهر.
من أين للناس مداخيل لتأمين معيشتهم حتى نهاية العام، وربما أبعد من ذلك؟ وكيف ستستطيع الحكومات والشركات تأمين مرتبات لعامليها، وهي نفسها بلا مداخيل؟ كيف ستعمل المخابز؟ ومن سيجلب لها الدقيق؟ ومن سيزرعه؟ إلى آخر سلاسل الإمداد الطويلة، التي لو انقطعت فيها حلقة لانقطع الخبز.
من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، استمرار الحجْر لأشهر مقبلة، في ظل عجز العلماء والمختبرات عن توفير الحل الطبي. ستعود الحكومات لتتخذ القرار الصعب في الأسابيع القليلة المقبلة. ستضطر أن تختار بين السماح بالعودة إلى الحياة الطبيعية، والمخاطرة، أو الإبقاء على الحجْر إلى نهاية العام، بما قد يعنيه من انهيارات اقتصادية. إنهاء الحجْر، والسماح بخروج الناس يعني نقل المسؤولية من الدولة إلى الفرد، الذي عليه أن يحمي نفسه. حالياً، بقوة القانون وأجهزة الأمن تتم حماية الناس، أو بالأصح حمايتهم من أنفسهم. ستصبح المسؤولية عليهم للتصرف بأقصى قدر من الحذر لتجنب الوباء، وفي الوقت نفسه تمكينهم من مصدر رزقهم، وإعادة دوران العجلة الاقتصادية.
هل هذا الطرح آمن بما فيه الكفاية؟ الدراسات المتاحة تعطي إجابات متناقضة، ما بين التحذير من وفيات بعشرات الملايين، وقيل مئات الملايين، وانهيار النظام الصحي. والرأي الآخر، يعتقد بقدرة المجتمعات على الخروج والتعايش بحذر مع الخطر إلى اليوم الذي يكون الوباء قد زال، أو يكون العلماء قد توصلوا إلى الحل الطبي.
أول ما ظهرت أخبار الفيروس كان كل شيء بشأنه غامضاً، واليوم توجد معلومات علمية تسهم في اتخاذ قرارات صحيحة لمواجهته وتقليل الخطر. في البداية ومع الغموض سادت معلومات خاطئة أدت إلى الاستهانة به في البداية، ولهذا انتشر. كان يعتقد، خطأ، أن 3 أيام كافية للتعرف على المصاب بين الأصحاء، وعزله. وكان الخطأ الأعظم فتح الصين حدودها ومطاراتها مع العالم عندما ظهرت الإصابات في البيوت والشوارع وتحول المرض إلى وباء. أكثر من 7 ملايين شخص غادروا إلى أنحاء العالم، وبينهم آلاف حملوا الفيروس.
وقد أخذ «كورونا» العالم على حين غرة؛ حيث لم تكن هناك معدات طبية كافية، فاضطرت الهيئات الصحية لإبقاء غالبية المصابين في منازلهم بالحجْر الطوعي الذي زاد من انتشاره. ومعظم الحكومات تأخرت في التعامل مع الخطر جزئياً، لأنها اعتقدت أنها في مأمن، والأسوأ من ذلك انتشار المزاعم القائلة إن الفيروس لا يستحق كل هذه المخاوف والاستعدادات، وإنه ليس بأخطر من أمراض الإنفلونزا السنوية، والدفع إلى التهاون به. لكن اتضح لاحقاً أن فيروس «كورونا» مثل الحريق، في بدايته يمكن أن يطفئه كوب ماء، وعندما ينتشر قد لا تستطيع أن تطفئ نيرانه سيارات الإطفاء.