د. ياسين سعيد نعمان يكتب:
القيادة والحلقة المفرغة
أشد ما تحتاج إليه أي قيادة في لحظة الارتباك هي أن تتذكر أنها قيادة.. لا يجب عليها أن تنزلق إلى مرتبة أدنى من القيادة. معيار نجاحها هو وقف التشرذم الذي يصيب القوة الحاملة لمشروعها التي تقوده.
والقيادة هي حاصل جمع صناع القرار.
في اللحظات التي يبدأ التفكك يصيب هذه القوة، لأي سبب كان، لا بد للقيادة أن تقف فوق ربوة تطل منها على المشهد وتجعل منها مركز القيادة، وأن لا تتوه في شغب الخلافات التي تسود الأجنحة المتربصة ببعضها، وأن تتمتع بصوت يميزها عن ضجيج الصراع وتخبط وخيبات الباحثين عن بطولات في غير الأمكنة التي تصنع فيها البطولات، وأن تحتفظ بأدوات قيادة تضعها في الموقف الذي تستطيع معه أن تعيد تركيب القطع المفككة بدون خسائر كبيرة.
في كثير من التجارب، غالباً ما كانت القيادة تجر إلى صراعات أجنحة الحكم بأساليب مختلفة، منها إقناعها بأنها مستهدفة، فتصبح طرفاً في الصراع، فيتعذر عليها أن تقود.
وكانت النتيجة دائماً أنه عندما تنزلق القيادة إلى مزالق صراع الأجنحة فإن الأزمة تدخل فيما يسمى الحلقة المفرغة، أو ما يسميها الفيلسوف الهندي الشهير "ميردال" بالحلقة الشريرة vicious circle التي يتخبط الجميع داخلها، ويواصلون الضجيج والتشرذم.
لا يمكن حل الأزمات من داخل الحلقة المفرغة، وتصبح أي محاولة كمن يعيد الطباخة بنفس الزيت الذي استنفد قيمته الغذائية وتحول إلى مادة سامة.
لقد كان الحل دائماً هو كسر الحلقة المفرغة، عند نقطة معينة بذاتها، للبحث عن الحل خارج الحلقة وفي فضاء أوسع، ومناخ أنظف، وبعيدا عن التآمر والسقوط.
لكن ذلك لم يكن ممكنا إلا بقيادة تعتلي المشهد وبأدوات تجعلها قادرة على تحديد النقطة التي يجب أن تكسر فيها الحلقة الشريرة والخروج إلى الفضاء الأوسع.
لنتعلم من تجاربنا الكارثية التي ظللنا نبحث فيها عن ضحايا لا عن قيادات، وكانت النتيجة ما نحن فيه.