د. ياسين سعيد نعمان يكتب:

في البعد الحقيقي للاحتفال بثورتي سبتمبر وأكتوبر

منذ سنوات طويلة مضت ، لم يحتفل اليمنيون بثورتي سبتمبر وأكتوبر مثلما احتفلوا هذا العام ، ربما لشعور يملؤه الحنين ، صاحب النكبة التي يمرون بها ، بأنهم لم يعملوا ما فيه الكفاية لحماية الثورتين من القوى التي أخذت تقاومهما وتتربص بهما لصالح مشاريع التخلف والبؤس وتكريس بنى ما قبل الدولة .
من المظاهر التي يجسدها هذا الواقع هي حقيقة أن الثورتين تسربتا ، في مجرى النزاع على السلطة والحروب الداخلية ، وخاصة حرب ١٩٩٤ بما تحمله من دلالات أهمها الانقلاب على الوحدة السلمية حيث فتحت بعد ذلك الثغرة الكبرى في عملية التسريب تلك ، إلى أيدي قوى لم تستطع أن تتمثل قيمهما وأهدافهما وما حملته من معاني لتغيير اليمن وبنائه لينعم بالاستقرار والازدهار .
والسؤال الأهم هو ، هل ستبقى الإحتفالات مجرد رد فعل عفوي مؤنب للضمير ، وغاضب مما وصل إليه الحال ، بعد الانقلاب الفاشي الذي أوصل البلد إلى هذا الدمار ، أم أنه سيرتب إعادة بناء عملية إصلاح تاريخية في الوعي السياسي المجتمعي متجاوزاً كل ما أفرزته المراحل الماضية من تفكك وصراعات واستقواء .
ما أحوجنا إلى قراءة وبحث ومناقشة هذا الواقع المؤلم :
-لتتجدد معه المعرفة بأن ما أصاب اليمنيين من أوجاع وآلام وتشتت إنما يعود في الأساس إلى أنه كانت كلما برزت “قوة”عملت على إقصاء الآخرين وتجريدهم من حقهم في الشراكة الوطنية ، حتى تحوصلت السياسة في مستودعات حماية خاصة ، غير قادة على الانفتاح على الوطن بأكمله ،
-ويتجدد معه ادراك الحقيقة بأن الخروج من هذا المأزق لن يتم بنفس الأدوات التي أدخلته فيه ، وأن تحالفاً أرقى وأوسع وأشمل هو ما يحتاج إليه ،
-وتتجدد الثقة بأن اليمنيين قادرون على تجاوز هذه المحنة بالعقل والحكمة والتفاهم وهزيمة المشاريع التي تتعدى على الحق الطبيعي للناس في حياة كريمة ، وحقهم في امتلاك السلطة وإدارتها ، والعودة الى الناس في تقرير مصائرهم ، بعد أن شهدوا هذا الخراب الذي تولد عن نبذ الآخر وإقصائه واستعراض القوة واستخدامها بتهور في أكثر من مناسبة ، وإغفال حقوق الشعب والمجتمع على كافة الاصعدة التي يتقرر بها وحدها الاستقرار من عدمه ، ومن خلاله تسرب هذا المشروع الطائفي الذي رمى به الفساد والاستبداد في وجه اليمن للانتقام .