مشاري الذايدي يكتب:
كلمة عن عبد الرحمن عبد الخالق
خلال فترة وجيزة، انتقل إلى رحمة الله شيخان من الفاعلين في الساحة الكويتية «السلفية»؛ الحركي السياسي منها، والعلمي الحديثي غير المنشغل بالسياسة (حديثي نسبة لعلم الحديث النبوي والأسانيد).
عبد الرحمن عبد الخالق، وفلاح مندكار، يجمع بين الرجلين كونهما من مدرسة أهل الحديث الأثرية السلفية، وهذا ما جعل لنشاطهما قيمة مضافة عند المهتمين برصد وتأريخ المدرسة السلفية في الخليج ومن تأثر بها خارج الخليج.
لعبد الخالق وفلاح صلة خاصة بمجموعة عرفت لدى المهتمين باسم «الجماعة السلفية المحتسبة» أو إعلامياً وباختصار؛ جماعة جهيمان. سبب شهرة هذه المجموعة هو العملية المجنونة التي قاموا بها، وهي احتلال الحرم المكي عقب موسم حج 1979. بحجة أن المهدي المنتظر الذي يكون آخر الزمان، ظهر معهم وسيبايع عند ركن الكعبة!
تفاصيل ما جرى لهم معلوم، وعقابهم وعاقبتهم غير مجهولة، لكن تظل للشيخ عبد الرحمن أهمية خاصة في هذا السياق تفوق أهمية الشيخ فلاح مندكار.
ينتمي الشيخ عبد الخالق الذي غادر دنيانا مؤخراً، لعائلة مركبة ومتعددة، فهو مصري من قرية عرب الرمل في دلتا مصر بالمنوفية، لكنه من أصل غزاوي فلسطيني، والده كان صديقاً لحسن البنا مؤسس الجماعة، وكان عضواً نشطاً داخل الجماعة. لكنه كان يعتبر نفسه شيخاً سلفياً، قاتل والده وشقيقه محمد مع كتائب «الإخوان» في فلسطين، ثم هاجر الوالد وأسرته، وفيهم عبد الرحمن، إلى المدينة المنورة، وحصل على الجنسية السعودية، ثم كان عبد الرحمن من الرعيل الأول من طلبة الجامعة الإسلامية في المدينة، ومن ضمن أساتذته كان شيخ السلفية وأهل الحديث، السوري، ناصر الدين الألباني، وقد وصفه الشيخ ناصر لاحقاً بأنه «إخواني متسلف».
أبعد عبد الخالق بقرار أمني من السعودية بعد انخراطه في مجموعة متطرفة قامت بأعمال عنف وفوضى في شوارع المدينة المنورة، وعرفت هذه الحادثة لدى المهتمين بـ«حادثة تكسير المحلات». ذهب عبد الخالق على الطائرة لقطر. الكلام هذا كان عام 65. ولكن قطر التي كانت وقتها تحت قيادة الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، رفضت استقبال عبد الخالق، فذهب إلى الكويت واستقر له الحال وطاب له المقام حتى يوم وفاته قبل أيام.
يشكل عبد الخالق النظير المماثل للشيخ السوري الإخواني، محمد سرور، في المزج بين النهجي؛ السلفي والإخواني. عرف صنيع السوري بالتيار السروري، لكن المصري الفلسطيني الكويتي، عبد الخالق أكثر علماً ومصداقية لدى جموع السلفيين من سرور، ولذلك كان أثره الحركي السياسي لدى خلص السلفيين أنجع.
عبد الخالق هو مَن نظّر للسلفيين العمل السياسي في الكويت وخارجها، وأجاز دخول البرلمان، لكن أمشاجاً من السلفيين رفضوا توجهه هذا، كما رفضه بعض «المنظرين الجهاديين» وعلى رأسهم «بلدياته» وزميله في الكويت أبو محمد المقدسي، وكفر هذه الفتوى.
بعيد الربيع العربي، وتقدم عبد الخالق في السن، خفت نشاط الرجل، ثم توفي عن نحو 80 عاماً، لكن من المهم لمن يريد الإلمام بمسيرة الحركات الإسلامية السياسية واختلافاتها المنهجية، التوقف عند سيرة وأفكار ومعارك هذا الرجل، وهو ما حاولنا الإلمام العابر له هنا.