د. ياسين سعيد نعمان يكتب:
الجمع بين تحقيق المنجز السياسي وإدارته
دودة القز تصنع ألياف الحرير من أوراق شجرة التوت، غير أنها تقوم بإتلافه فور خروجها من شرنقة الألياف إذا لم يسارع المزارع إلى منعها من ذلك بوسائل مختلفة.
ما يقوم به كثير من البشر يشبه ذلك إلى حد كبير.
كم هي الأشياء الجميلة التي صنعها اليمنيون ثم أتلفوها.
سألني مراسل "اللوموند" الفرنسية عام 1992 عن الحل، وقد بدأت المشاكل تتسع وتتمدد على نحو كبير، مهددة منجز الوحدة بالخراب، فتبدت أمامي حكاية دودة القز كمثال على ما قام به اليمنيون وما يتوجب عليهم القيام به،
قلت له:
انظر إلى هذه الصورة التي التقطت لقيادات الشطرين يوم 22 مايو 1990، وأضف لها بعض الأسماء ممن لم يشاركوا في ذلك الحدث، هؤلاء جميعاً عليهم مغادرة المسرح معززين مكرمين، على أن يقام لهم نصب تذكاري باعتبار انهم أنجزوا مهمة تاريخية كبرى، ويتركوا لجيل آخر أمر تدبير إدارة هذا المنجز.
سألني: هل أنشر هذا الكلام؟
قلت له: نعم انشره بالخط العريض.
صانع أي منجز سياسي أو اجتماعي لا يستطيع إدارته بشكل مستقل عن حاجة هذا المنجز إلى أن يتخلص من "غطرسة" هذا الصانع وأنانيته. لذلك رأينا كيف أن كل الثورات والتحولات الاجتماعية قد شهدت انحرافات هائلة عن مسارها لأسباب تتعلق بالجمع بين تحقيق المنجز وإدارته، وكان أن آلت جميعها إلى متحف التاريخ.
وينطبق نفس الشيء فيما تحققه البشرية من منجزات في مجالات أخرى.
يعكف العلماء على إنتاج عقار لمكافحة وباء ما، ينجحون، لكن غيرهم هو من يدير هذا العقار فيما بعد، ونجاحه يتوقف على أسلوب إدارته.
يمضي مفكر ما في التأليف وتحقيق منجز فكري، ويقوم الناشر والناقد والقارئ والباحث بدور حاسم في تخليد هذا المنجز. وهكذا.. كم هي النظريات الخالدة التي ظلت مطوية ومجهولة حتى جاء من يتولى تحقيقها ونشرها وبعثها كمنتج بشري خالد.
لم نصب بهذه الانكسارات إلا حينما جمعنا بين تحقيق المنجز وإدارته بصورة تجسدت فيه أنانية قتلت ديناميات المنجز وحولته إلى كومة من الاستحقاق لنخب تنفصل عن المجتمع، وتفصل معها منجزها، ليموت بحضنها وتموت معه.