الوصية

هناك وصية يتم العمل بها تاريخيا لدى الزيدية، أصبحت اشبه بمعتقد، يتم اللجوء اليها عند احتدام الصراع بين طرفين في رأس الدولة، ويصبح من الاستحالة حسمه، حين يكون من في الحكم القبيلة، هذه الوصية تقر بأن يسلم الحكم عندها للهاشميين.. وبذلك تضمن عدم خروج الحكم من قبضة الزيدية.

يرى الكثير هناك، وان لم يقولوها علانية، ان ما حل بهم اليوم واصبح الحكم مهددا بالخروج من الزيدية بسبب ان طرفي الصراع في العام 2011 قد خالفا العمل بهذه الوصية، وقبلا ببديل من غير الهاشميين.

وهو ربما ما حاولوا تلافيه لاحقا باستقدام الهاشميين من صعدة.. في عملية الاجتياح.

لا أدري لماذا يتناسى الناس الكثير من الامور التي عايشوها ويعلمون حقيقتها.. الكل يعرف القوة التي يمتلكها الحوثيون عدة وعتادا، فهم الى قبل اجتياح صنعاء لم يستطيعوا هزيمة جماعة الحجوري في دماج التي صمدت أمامهم لأشهر.. والتي انتهت المواجهة معهم بانسحاب جماعة دماج بطلب رسمي.

اذن، ذاك هو الحجم الحقيقي للحوثيين.. وهذه هي قدراتهم وعدتهم.. ما الذي حدث بعد ذلك؟.

بعد ان تجاوز الحوثيون دماج تغير مجرى الامور واصبحت جماعة الحوثي مجرد واجهة.. عند وصول جماعه الحوثي الى عمران اصدر المؤتمر الشعبي العام تعميما اوضح فيه موقف المؤتمر من المواجهات، بأن لا دخل لأعضاء المؤتمر بما يحصل، وهو كما يبدو ان الامر هذا قد وجه ايضا للوحدات العسكرية في محيط صنعاء.. فأعضاء المؤتمر في محيط صنعاء، وكذلك افراد الوحدات العسكرية في غالبهم ينتمون إلى منطقة محيط صنعاء.. وبقرار كهذا اصبح الطريق متاحا امام الحوثيين للدخول الى صنعاء.

محسن ايضا شارك بتسهيل مهمة الاجتياح، وفق ما كان متاحا له.. اي ان الطرفين عملا بالوصية، ولكن بطريقة مكلفة، كلفة حتمتها ظروف تأخير الاحتكام.

وبعد تداخل الامور على كل هذا النحو لم يعد الامر ملكا لعبدالملك الحوثي او صالح كأشخاص.. وانما اصبح الامر قضية تهم مراكز نفوذ زيدية تجمعها شبكة مصالح، مصالح مرتبطة ببقاء الحكم بيد الزيدية.. اصبح صالح والحوثي مثلهم مثل اخرين من اصحاب شبكة المصالح تلك.

بالنسبة للحوثيين كجماعة لم يكن لديهم تفكير بتجاوز صنعاء عند اقتحامها، وهذا ما تثبته كثير من الروايات.

ياسين سعيد نعمان الامين العام السابق للحزب الاشتراكي قال في حديث له: ان الحوثيين لن يتجاوزوا صنعاء.

على صعيد اخر قال القيادي في حزب الاصلاح محمد قحطان ان الاصلاح رصد تحركات الحوثيين بعد دخول صنعاء، وان نقلهم لمقاتليهم من الاتباع لا يتعدى الحدود بين الشطرين، وان ذلك ربما يعني ان الحوثيين لديهم مشروع للسيطرة على حكم الشمال فقط.

لكن الامور بعد ذلك اخذت منحى اخر، حين بدأ تحرك الالوية العسكرية والوحدات الامنية الشمالية المتمركزة في المحافظات الجنوبية للوقوف في صف القوى التي اجتاحت صنعاء.. والاكيد ان تلك القوات لم تأت اليها التوجيهات من عبدالملك الحوثي او احد من قيادات الحوثيين الاخرى.

بمعنى انها قد امتثلت لتوجيهات من جهات اخرى.. فكيف اصبحت جماعة الحوثيين مهيمنة على صنعاء ان لم تكن هي من يملك القرار والقوة؟.

كان لابد ان تمنح جماعة الحوثي الفرصة لتتصدر المشهد، ولذلك لابد ايضا ان تحصل على هذه الهيمنة، كشاهد اثبات انها هي من اجتاحت صنعاء ومن ثم باقي المحافظات.

ووجودها ايضا في الواجهة في ظروف الحصار والحربِ سيحولها إلى حائط صد لتلقي الضربات.. وستكون المسئولة عن مآلات المرحلة وتبعاتها على الشارع وامام المجتمع الدولي.

وفي الوقت نفسه ستكون هيمنتها على القرار هي احد عوامل نكستها وهزيمتها.

عمليا لا تملك جماعة الحوثي من النفوذ في الشمال سوى تلك الامتار التي يتحرك فيها هذا المشرف او ذاك.. كان في صنعاء او المحافظات الشمالية الاخرى.

فلمن سيكون الحسم بالنهاية؟.

ليس بمقدور الحوثي او صالح تحديد هذه النهاية.. فالقرار الاخير سيكون للعصبة الزيدية التي تحتكم لشبكة المصالح، حين ستجد في من تراه بينها مقبولا للمرحلة القادمة سيتم عندها اختياره وموالاته، وهذا ما يضع احتمالات كثيرة واردة، لكن الاكيد انه لن يكون (الحوثيين).

من كان يدير دفة الامور لاجتياح صنعاء هو من سيحدد نهاياتها.