محمد الرميحي يكتب:
قراءة احتمالية في المشهد الإيراني!
جذبت نتائج الانتخابات الأخيرة في إيران الكثير من التعليقات.. ولأن النظام الإيراني هو نظام شمولي فإن الحقائق عادة ما تغيب، بسبب ميله الطبيعي للإنكار ووضع كل السلبيات على غيره والغوص في وهم الانتصار والتفوق؛ لذلك فإن من المتابعين من ينزلق إلى الهوى في التفسير، له أو عليه، وقد تضيع الكثير من الحقائق. مع الوعي بهذه الإشكالية كيف يمكن أن نتعرف على ما يجري من تفاعلات في إيران اليوم، وكيف يمكن التنبؤ - إن أمكن - بمساراتها القريبة والمتوسطة؟
أعرض ما أمكن جمعه من الأقرب إلى الحقائق تمهيداً لجلاء الصورة في سبعة مؤشرات عامة:
أولاً: السيد إبراهيم رئيسي هو رئيس الجمهورية الثامن في سلسلة الرؤساء، وقد خاض أولئك الرؤساء اثنتي عشرة دورة انتخابية (معظمهم حصل على دورتين)، وتراوحت أرقام رئيسي في الدورة الأخيرة بين تقليل وتعظيم، وانشغل البعض بالنسبة المحققة كمؤشر لرضا أو عدم رضا الجمهور الإيراني، إلا أن العودة إلى كل الأرقام الرسمية لما حصل عليه الرؤساء الثمانية نلحظ إشارة مهمة، وهي أن ما يعرف بالرئيس الإصلاحي يحصل على أرقام عالية (فوق السبعين في المائة) وهما فقط اثنان، خاتمي وروحاني، أما الباقي فإن الأرقام الرسمية هي أمام النصف أو ما دون النصف، أما رئيسي فهو الأدنى من الجميع، ذلك يعطي مؤشراً للمزاج العام للناخب الإيراني، والذي يتفاءل بظهور مرشح يقال عنه إنه «إصلاحي»؛ ربما تمنياً لإصلاحات حقيقية تحدث من داخل النظام ثم يصاب بخيبة أمل.
ثانياً: اختيار رئيسي وهو الخاضع للعقوبات الدولية تعني من طرف آخر خضوعه المطلق للدولة العميقة من دون هامش متاح له للمناورة، وفي تمديد فترة الانتخابات الأخيرة مرتين التي بلغت في مجموعها أكثر من اثنتي عشرة ساعة، مؤشر على تباطؤ الانصياع للذهاب إلى صناديق الانتخاب، وقد سارعت ما يسمى في إيران «غرفة تجميع الأصوات» إلى حشد الجمهور في الساعات الأخيرة للذهاب إلى مكاتب الاقتراع، أما المفاجأة الجديدة أن نسبة الأصوات التي أبطلت نفسها عمداً كانت أكبر من أي انتخابات سابقة، فقد بلغت 13 في المائة رسمياً، أي أن عدد الأصوات المبطلة هي الثانية بعد أصوات رئيسي وأعلى مما حصل عليه بقية المرشحين! وتفسير ذلك، أن «هندسة الانتخابات الرسمية» قد تكون قادرة على الحشد، ولكنها لا تستطيع أن تجبر المواطن على أن يضع ورقة صحيحة في الصندوق، فبجانب المقاطعة كان هناك استعصاء له دلائله السياسية التي لا تخفى.
ثالثاً: عين الكثير من المراقبين على محادثات فيينا حول النووي الإيراني، للوصول إلى اتفاق في نهاية الأمر هو «حاجة إيرانية» كما هو «حاجة أميركية»، والمماحكات الجارية هي على نسبة الكعكة التي سوف يحصل عليها أي من الطرفين تنازلاً من الطرف الآخر. في نهاية اليوم سوف يسمي النظام الإيراني أي اتفاق «انتصاراً»، والمفاوض هو الدولة العميقة الإيرانية، ليس الإصلاحي كما يعتقد البعض، فحتى اختفاء «الوجه التجميلي» الإصلاحي لن يغير من السياسات المتبعة شيئاً كثيراً.
رابعاً: على الرغم من «الوجه الصلب» الذي يبديه النظام أمام العالم، من أن العقوبات لا تشكل الكثير من الهواجس له، فإنه في الحقيقة يعرف مدى عمق تأثيرها في القطاع الاقتصادي والاجتماعي والضرر البالغ والواقع على معظم الجسم الإيراني الشعبي، وحرمانه من دعم أكبر لأذرعه الخارجية؛ مما زاد نسبة الفقر والبطالة وتفاقم المشكلات الحياتية التي تُسمع سلباً باتجاه مزيد من «الدولة البوليسية» و«القمع المفرط» والتضييق على الحريات. وعلى الرغم من الحملة الانتخابية القصيرة بين المرشحين المنتقين، فإن أكثر الموضوعات تطرقاً في تلك الحملة هي القضاء على الفساد! في الوقت الذي يشترط الدستور الإيراني أن يكون الرئيس «متديناً وسياسياً»، ويعني أن كل الرؤساء كانوا كذلك، إلا أن الفساد زاد وانتشر! والأخير له علاقة عضوية ليس بنوايا الأشخاص، ولكن بالأنظمة الشمولية التي تقمع تحت سقف الشعور الوطني أو غيرها من الشعارات أي أصوات معارضة، كما تمنع في الوقت نفسه قيام مؤسسات مستقلة قادرة على المراقبة والمحاسبة. فاجتثاث الفساد يحتاج إلى أن يكون النظام أكثر شفافية مع وجود مؤسسات مستقلة وحريات في القول والتجمع والتنظيم، وذلك شبه المستحيل أن يتحقق في بنية النظام القائم؛ لذا من المحتمل بقاء نسبة الفساد، بل زيادتها مع تحكم عسكر ميليشياوي متحالف مع بعض رجال الدين!
خامساً: مع رفع بعض العقوبات وعودة تصدير النفط الإيراني والتجارة مع العالم، سوف يتمكن النظام الإيراني من الحصول على سيولة نقدية، سوف يستخدم جلها لتغذية أذرعه في المنطقة، وهي أذرع أوصلت مجتمعاتها إلى الخواء وتفكك الدولة وإفلاسها، وإشاعة جو من الترهيب، الهدف هنا هو بقاء نفوذ إيراني يحقق شيئاً من الفخر «القومي – المذهبي»، ولكنه لا يبني دولاً، وفي الوقت نفسه تستمر نسب الفقر والبطالة.
سادساً: أمام هذه الاحتمالات، فإن أحد السيناريوهات المتوقعة هو تسخين من نوع ما في الجوار (وخاصة دول الخليج) وتطوير إمكانات الأذرع النشطة أو الخاملة ما أمكن لإشاعة الاضطراب على شاكلة - إن أمكن - ما يحدث في العراق او النموذج اللبناني أو حتى السوري! والخيار أمام ذلك هو الذهاب إلى تنسيق خليجي أوثق لاتقاء السيناريو الأسوأ، مع تضامن عربي من الراغبين وتعاون دولي فعال.
سابعاً: من الصعب التكهن أمام ضيق فرص الآمال لدى الشعوب الإيرانية بردات فعلها، ولكن من المعقول التسليم أن النظام الإيراني بخطواته الأخيرة (إخفاء الوجه التجميلي) ناتج من شعوره بالمأزق وتوجه إلى حرمان كثيرين من أهل البيت بالمشاركة في الانتخابات الأخيرة، بذلك ينخفض رصيده الشعبي، ويؤكد تحالف العسكري والديني في قمة السلطة، الاحتمال أن يستكين الداخل الإيراني إلى مصيره الكارثي، أو يتحول إلى تدريجياً إلى مقاومة يشترك فيها كل الخاسرين المتزايدين من صيرورة النظام، العقبة هو عدم تبلور قيادة وازنة في الداخل، وقد تتكون ممن كانوا مع النظام وتم تهميشهم.
آخر الكلام:
على عكس ما انتشر، إبراهيم رئيسي ليس هو الخلف المحتمل لخامنئي، الاحتمال الأقرب أن تذهب الخلافة إلى الوريث، وهي المتبعة في معظم تاريخ الحوزة!