سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):

عام على إنجازات الكاظمي.. زيادة انفلات عيار المليشيات وتوسيع مساحة الفقر

بمناسبة مرور عام كامل على تسلمه لمنصب رئاسة السلطة التنفيذية، يحصي الكاظمي إنجازاته في اجتماع لمجلس وزرائه. وكما اعتاد في صم آذاننا من قبل، بأنه منع اندلاع حرب اهلية، وقام بزيادة اجهزة فحص وتشخيص مرض كورونا و اخيرا الاشادة بالورقة البيضاء. واتحفنا الكاظمي ايضا ان هذه "الانجازات العظيمة" حققت في عمر حكومة لم يتجاوز عام واحد، وليس منذ سبعة عشر عام، وأكثر من ذلك يقول لنا هناك متشككين بحكومته وانه لن يبال لذلك فهو لم ينتخب كما يقول لنا بل هو (خادم الشعب).

 

لنذهب الى تحليل انجازات الكاظمي التي بحق هي أكثر ضحالة من إنجازات سلفه في الأحزاب الاسلامية التي غضب منها حتى ثقب الأرض التي تعيش فيها النمل.

كيف منع الكاظمي نشوب حرب اهلية في العراق؟ هذه الجملة التي سمعناها مرارا وتكرارا، ومن كثرة ترديدها في وسائل الاعلام وامام البعثات الاجنبية، صدقه الكاظمي وبات يتغنى بها حتى تحولت الى انشودته محل النشيد الوطني.

 

إن مفهوم الكاظمي لمنعه نشوب الحرب الاهلية، هو من خلال غض الطرف عن كل جرائم الأحزاب الإسلامية بجميع اطيافها، بدءا من التيار الصدري الذي احتمى بالكاظمي وجهازه لمكافحة الارهاب التي ارسلها يوم ما الى مدينة الناصرية  لحماية عصابات الصدر عندما فشلت في قمع التظاهرات بطلب من زعيمها مقتدى الصدر، ومرورا بمحور الاجرام والنهب الذي اقتنى اسما حركيا له كي لا يكشف سره وهو محور المقاومة والممانعة. الكاظمي منع الحرب الاهلية من خلال صفقة (سيب وانا سيب)، اي يتنصل من مطالب المتظاهرين وانتفاضة أكتوبر وهي محاكمة قتلة المتظاهرين وحل المليشيات واحلال الامن والامان ومقومات دولة بالمعنى الأمني والقانوني، مقابل ابقائه في منصب رئاسة الوزراء. اي بعبارة اخرى اختار الكاظمي ان يكون صمام أمان بالحيلولة دون انفجار غضب المطالبين بحقوقهم العادلة و دماء الذين سقطوا دون اي وجه حق في تظاهرات طالبت بالحرية والكرامة والحد الادنى من العيش بشكل ادمي.

 

ان الكاظمي يكذب بكل صفاقة بأنه منع تحول العراق الى ساحة حرب بين النفوذين الايراني والامريكي، فهو لم يستطيع على الالقاء القبض على متهم بقتل متظاهرين مثل قاسم مصلح للتحقيق معه، وقد اطلق سراحه خلال ايام، فكيف له منع من تصادم قوتين على الساحة العراقية!

 

عدم تصادم تلك القوتين لا يعود لا من قريب ولا من بعيد لدهاء الكاظمي ومناوراته الفاشلة، بل يعود إلى ان مصالح الطرفين الامريكي والايراني لم تصل الى تقاطع نهائي على الساحة العراقية، ومازالت هناك ما يمكن انجازه من قبل الطرفين المذكورين. وهذا يفسر سر زيادة قائد الحرس الثوري الإيراني قاآني مرتين خلال ايام الى بغداد، وهي من أجل توبيخ  وجر آذان المليشيات التي لا تذعن لأوامر قم-طهران، ولا تعي خطورة لعبها بالنار مع امريكا على الساحة العراقية التي لا تشبه الساحة اللبنانية او الساحة اليمنية، لوجود قوات وقواعد عسكرية امريكية على ارض العراق. وبشكل آخر نقوله ان الكاظمي هو جزء من مشكلة غياب الأمن والأمان في العراق، وساهم باتساع رقعة انفلات المليشيات واستعراضاتها العسكرية، لأنه ببساطة يمثل المحور الامريكي والقومي العروبي في صراعه مع النفوذ الإيراني على الساحة العراقية.

أما إنجازه الثاني الذي يتحفنا به الكاظمي هو زيادة اجهزة الكشف لمرض كورونا حيث  قام بزيادة فحص PCR من 7 الى 250 جهاز. بيد أن الكاظمي لا يتحدث لنا عن كارثة حريق مستشفى ابن الخطيب التي أودت بحياة المئات، وكأنه راهن على ذاكرة الجماهير التي من شدة تعرضها الى مصائب واهوال اصابتها الوهن وباتت تضاهي ذاكرة الاسماك. ولم يسرد الكاظمي في حديثه عن عزوف الناس المصابين بكورونا عن مراجعة المستشفيات الحكومية لانهيار الخدمات الصحية فيها، وكانت غالبية نصائح الأطباء لمرضاهم المصابين بكورونا، الأفضل لهم ملازمة البيت وعدم الذهاب الى المستشفى اذا أرادوا البقاء على قيد الحياة، ولم يقل لنا اي الكاظمي عن سبب قلة عدم حصول المواطنين على اللقاحات التي هي الاقل في بلدان المنطقة إذا لم نقل في العالم، ولا على تبوء العراق في مركز صدارة الاصابات والوفيات معا بسبب وباء كورونا في البلدان العربية كما أشارت منظمة الصحة العالمية. وهنا نتحدث فقط عن كورونا ولا يشمل حديثنا عن الوضع الصحي والخدمات الصحية في  القطاع  الحكومي،  فحقا ينطبق على إنجازات الكاظمي في المجال الصحي قول المتنبي (وتعظم في عين الصغير صغارها).

 

بيد أن أعظم إنجاز للكاظمي الذي يقول عنه ان المنظمات والمؤسسات المالية العالمية تشيد به هي الورقة البيضاء. فحقا يصب هذا الإنجاز في خانة الوقاحة والبجاحة.  تلك الورقة التي لم يتجرأ اي فاسد في الأحزاب الإسلامية من تمريرها بدءا من المالكي ومرورا بالعبادي وانتهاءً بعبد المهدي.  الورقة التي يشيد بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مصاصي دماء شعوب أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا. الورقة البيضاء التي فشل الاحتلال بقيادة بول بريمر من تمريرها خلال عام من توليه الإدارة المدنية للاحتلال وهي نفس الفترة الزمنية للكاظمي في منصب رئاسة الوزراء. ان الورقة البيضاء هي إعلان صريح لسياسة اقتصادية من اجل التغطية على ادامة السرقة والنهب، وتعني استمرار كل الفاسدين الكبار في السلطة دون اي اجراء ضدهم بدءا من الفياض والمالكي والعامري والخزعلي وبرهم صالح  والصدر و الحلبوسي ..الخ. فالورقة البيضاء هي سياسة ملتوية على عدم مس الامتيازات المالية للطبقة الحاكمة بقضائها وبرلمانها ومجلس وزرائها، وتحميل عبء الازمة الاقتصادية على كاهل العمال والموظفين والكادحين في العراق. أن الكاظمي لم يقل لنا عبر ورقته المظلمة، ماذا كان مشروعه لحل قضية البطالة بخلاف العبادي غير المماطلة والتسويف، كيف رد ويرد على احتجاجات عمال العقود والاجور واعتراضات خريجي المهن الصحية والبيطرة والهندسة و٢٠٠ الف محاضر في سلك التربية،  وكيف عالج معاناة أكثر من نصف مليون نازح. أن الورقة البيضاء هي ورقة توسيع مساحة الفقر في المجتمع، مقابل نفخ جيوب اصحاب الشركات والمولات والتجارة التي تديرها احزاب العملية السياسية.

 

ان اعظم انجاز للكاظمي والذي بحق يجب الاعتراف به،  خلال عام من حكمه، هو نجاحه في تحقيق اجندة تحالف المليشيات، عصابات الإسلام السياسي الشيعي، عندما نصبته رئيسا للوزراء، لإنفاذها من قبضة انتفاضة اكتوبر. لقد نجح الكاظمي بتعويم تلك العصابات  بعد أن كادت أن تتهشم بمعاول الانتفاضة.