سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):
ما بعد أفغانستان بين الفوضى الخلاقة ورفض الشريعة
ليس هناك أية مقارنة بين هزيمة الولايات المتحدة الامريكية في فيتنام وبين الانسحاب الامريكي من افغانستان. ففي الاولى، كانت تعيد الآلاف من الجنود الامريكان بتوابيت الى بيوتهم ليصل إلى ٥٧ ألف جندي واحتجاجات عارمة في عموم الولايات وانقسام حاد داخل الطبقة الحاكمة في واشنطن حول جدوى الاحتلال، بينما في الثاني هو جزء من استراتيجية امريكية انسجم عليها الحزب الجمهوري قبل الديمقراطي وعملت على خلط الاوراق على الحلفاء والاعداء.
ما وراء تسويق مقولة (الفشل الامريكي في افغانستان):
واختيار عنوان عريض وهو الانسحاب الامريكي من افغانستان هو “فشل السياسة الأمريكية ” ودق الطبول والعزف على وتره، والمقارنة بينه وبين فشله في فيتنام، هو جزء من صب الماء في طاحونة التيار الذي يُعرف بهويته (الأنتي امريكا) أو (أنتي الإمبريالية) اي التيار المعادي لأمريكا والامبريالية. ويحاول هذا التيار تصوير ما حدث في أفغانستان على أنه هزيمة امريكا، من اجل تقوية الروح المعنوية لذلك التيار واعادة إنتاج هويته وتغليف كل قمعه واستبداده للحرية والمساواة وإفقار المجتمع بتلك الهوية الزائفة سواء كأنظمة سياسية حاكمة، او كتيارات معارضة لحرف الانظار وطمس ماهية المحتوى الطبقي لهذا التيار الذي ليس له أية صلة بتحرر الإنسان وانهاء كل اشكال الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بحقه، و ايجاد تبريرات باستمرار تلك الانظمة القومية بسياستها المجرمة تجاه العمال والمحرومين في مجتمعاتها مثل النظام السوري والجمهورية الاسلامية في ايران وحزب الله، وميليشيات تحالف فتح التي تبنت الهوية نفسها في الوقت الضائع . وليس هذا فحسب بل الادهى من كل ذلك اختزال كل ماساة الغالبية العظمى من الشعب الأفغاني من فقر وبطالة وانحطاط اجتماعي واقتصادي بأنها تحررت من الاحتلال الامريكي، وكأن الشعب الأفغاني كان قبل الاحتلال وتحت سلطة طالبان، ينعم بالحرية والرفاه. وهذا التصوير المخادع يعزز ايضا من النظرية التي لا تقل زيفا عن الاولى بأن الولايات المتحدة الامريكية ذهبت لأفغانستان كي تنجح في تحرير البشر من سيطرة الجماعات الاسلامية الارهابية وبناء مجتمع حر وآمن الا أنها فشلت هناك، بينما المعطيات الواقعية تبين على نشر كم من الأوهام عن فحوى السياسة الامريكية التي تتحرك تحت عنوان حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية في حين تخفي في طياتها دائما وابدا ترسيخ الفساد والرجعية وتأهيل حثالات اجتماعية الى الدفة السياسية في السلطة. وفي الوجهين لتلك النظرية تكون النتيجة اخفاء ماهية السياسة الامريكية واستراتيجيتها التي لم تكن أكثر من مساعي لفرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية على العالم. ولم تطأ قدم الولايات المتحدة الامريكية اي مكان في العالم والا حولته الى خراب ودمار، ولم تقوي وجودها غير العصابات والجماعات الارهابية والفاسدة سواءً أكانت موالية لها او معارضة لوجودها. ولم تغادر أي بلد سواءً كهزيمة عسكرية مثلما حدث في شبه الجزيرة الكورية عام ١٩٥٥ وفيتنام عام ١٩٧٥ او من تلقاء نفسها مثل العراق وافغانستان اليوم الا وخلفت ورائها انظمة وجماعات استبدادية ورجعية حتى النخاع.
لقد افشى بايدن بالسر، في كلمته قبل يومين بأن جيوشها لم تذهب الى افغانستان من اجل بناء (دولة). وتعبر هذه الجملة عن مصداقية السياسة الأمريكية ولأول مرة ودون اية رتوش. وهذا يعني ان امريكا لم تهزم في افغانستان ، بل الذي هُزم هم جماهير افغانستان، ولعب الاحتلال الامريكي دورا كبيرا في الحاق تلك الهزيمة المرة. فالاحتلال الامريكي في افغانستان لم يبنِ المصانع ولا المعامل، بل أنفقت امريكا أكثر من ٦٠٪ من المبلغ الإجمالي الذي يقدر ٢,٢٦ تريليون دولار على المؤسسة العسكرية ونفقاتها بشقيها الأمريكي والافغاني ومشاريع لا تقدم ولا تأخر على تغيير البنية الاجتماعية والبنية الاقتصادية التي تؤسس لحكم على الاقل يشبه الحكومات في افضل احوالها بعض البلدان الطبيعية في اسيا او افريقيا او امريكا الجنوبية، وحتى اسم أفغانستان في الأمم المتحدة ما زال يحمل الراية الاسلامية وهو (الجمهورية الاسلامية الافغانية). ما فعلتها امريكا فقط قامت بمنح الرشاوى لرؤساء العشائر والقبائل لشراء الولاءات وبناء عدد من المستشفيات والمدارس، وتأهيل عدد من النساء لمناصب وزارية للتسويق الاعلامي من اجل ترسيخ نشر الوهم حول دفاعها عن حقوق الانسان، بينما ظل وضع المرأة الافغانية على صعيد فرص العمل والحقوق في القوانين لا تتجاوز النسخة المعدلة للشريعة الاسلامية وهي الاقل حتى من نساء ترضخ لحكم رجعي وتعسفي مثل الجمهورية الاسلامية في ايران. وهذا ما حدث في المشهد العراقي ايضا بعد غزوه واحتلاله لتكملة مسيرة البعث والحملة الايمانية لصدام عام ١٩٩٦ وسياسة الحصار الاقتصادي الوحشي على جماهير العراق. الا ان الفارق الوحيد في المشهد العراقي هو ان هناك تيار اجتماعي عريض متمدن وحضاري وتحرري يضرب جذوره في عمق المجتمع العراقي، وهو الذي قاوم وما زال يقاوم الطبقة السياسية الفاسدة والمجرمة التي نصبتها حراب المارينز الامريكي في العراق، بعدم تحويل مدن العراق الى قندهار