سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):

بين دولة فرق الموت والدولة الإسلامية

 في أول رد صحفي على تفجير البصرة، سمى الكاظمي منفذي الجريمة بأنهم فرق الموت، وليس بمقدورهم إرهاب الدولة، وسيقدمهم للعدالة عبر القانون بدلا من الدخول بالمواجهة معهم، وكأن إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم ليست مواجهة بل حفلة تنكرية يقيمها لهم بهذه المناسبة. بمحاذاته يتذكر راقص الثعابين اي الكاظمي ملف قتلة متظاهري انتفاضة أكتوبر و يستله من أرشيفه، ليلوح به بين الحين والآخر في كل حادث أمني يمس حاشيته من رجال المخابرات. ويكاد يكون استعمال الملف المذكور أقرب إلى ملئ الفراغات في رده الدعائي أكثر مما هو مادة للاستهلاك الإعلامي لذر الرماد في عيون الجماهير بأنه ما زال يتابع تحقيقات قتلة المتظاهرين. فكل الوقائع تشير حتى الذين حاولوا اغتياله لا يمكن الافصاح او الكشف عن اسمائهم او الجهة التي تقف ورائهم، فما بالك بالكشف عن قتلة المتظاهرين، لأنه ببساطة أن دويلة فرق الموت او محور المقاومة والممانعة أقوى من مشروع الدولة التي يريد بناءها الكاظمي بسواعد مليشيات الصدر والدعم الأمريكي والدولي.

واللوحة الامنية الاخرى التي يجب الوقوف عندها، هي زيادة وتيرة فعاليات ونشاطات عصابات داعش واتساع رقعة عملياته النوعية في عدة محاور وفي آن واحد، في قواطع اربيل وكركوك وديالى ونينوى، على الرغم من إعلان الانتصار عليه منذ عام ٢٠١٧، وهذه مرتبطة ومتداخلة مع الفعاليات والنشاطات السياسية لعناصر المليشيات التي سماها الكاظمي بفرق الموت؛ من التظاهرات ومحاولات ابطال نتائج الانتخابات في المحكمة الاتحادية، وصولا إلى المحاولة الفاشلة في اغتيال رأس مشروع (الدولة)  وآخرها وليس أخيرها  التي انتهت بعملية تفجير في البصرة ولم تثبت أي علاقة بينها وبين تنظيم داعش،  الذي اودى بحياة ٤ أبرياء وجرح أكثر من ٢٠ شخص.  وتكشف هذه اللوحة عن مسألتين، الاولى استمرار الظلم الطائفي في المناطق التي تنشط فيها عصابات داعش وتجد حاضنة اجتماعية لها، والثانية أن فرق الموت التي تحتمي تحت مظلة محور (المقاومة والممانعة) بحاجة الى داعش وعملياته كي تستمد شرعية وجودها خاصة بعد إعلان طي صفحة العمليات القتالية للوجود الأمريكي في العراق، وتصبح هويتها (المقاومة والممانعة) فاقد الصلاحية، وهي التي أصدرتها ايام انتفاضة أكتوبر وتحديدا بعد قتل قاسم سليماني على يد القوات الأمريكية. فهذه المليشيات بحاجة الى مبررات لاستمرارها في انتزاع  ملياري دولار من الموازنة السنوية لها والاستمتاع بـنفوذها الاقتصادي والسياسي.

 

المشاهد السياسية التي تمر بالعراق في كل مرة هي محطات تفرض النزول عندها ولا يمكن العودة اليها. وفي كل محطة سياسية تشتد الازمة السياسية بسبب اشتداد الصراع على السلطة. وعند كل محطة يعتقد المتصارعون أنهم حسموا الانتصار لصالحهم على حساب الطرف الاخر، الا ان الوقائع تثبت دائما ان كل واحد يمسك بخناق الآخر ولا يمكن الفكاك سوى بغرق الجميع. وتأتي ادعاءات الصدر بتشكيل حكومة أغلبية في سياق عملية ابتزاز سياسي ومحاولة لانتزاع تنازلات سياسية من منافسيه من اخوته الأعداء في البيت الشيعي او اسمه الحركي الجديد وهو الإطار التنسيقي. وحكومة الاغلبية تعني بلغة الصدر هي  تنحية جناح ومليشيات فتح -دولة القانون من الحكومة الجديدة او في احسن الاحوال ترويضهم، وتنظيف المفاصل والمؤسسات الحكومية من براثنهم. في الطرف الآخر من العملية السياسية تلعب الأحزاب القومية الكردية دورا في رص صفوف لما يسمى بعرب السنة واعادة اللحمة الى وحدة البيت الشيعي، لأن العملية السياسية قائمة على المحاصصة، ودون المحاصصة فلا حتى كسرة خبز لهم في السلطة. اي بمعنى اخر كانت الانتخابات الأخيرة المحطة الجديدة، كما كانت انتفاضة أكتوبر محطة  سبقتها، فالعراق بعد هذه الانتخابات لن تكون هي نفسها قبل الانتخابات. وهذا يعني بالتحليل الأخير؛ اولا من الوهم الظن بأن قوى الاسلام السياسي الموالي لإيران سوف تستسلم او ترضى بقسمتها، فمحاولة اغتيال الكاظمي وتفجيرات البصرة والتطهير الديموغرافي في قضاء المقدادية بشكل علني وسافر ووقح بعد ما حدث في قرية ( نهر الامام ) على يد عصابات داعش في محافظة ديالى توضح دون أي لبس أن شتاء هذا العام لن يمر دون أيام لا يتخللها برد زمهرير. وثانيا ان عود داعش سيقوى من جديد وستزداد عملياته الاجرامية ليس بسبب الحاضنة الاجتماعية فحسب بل إن من يغذيها ويغض الطرف عن تسلسلها من مصلحته أن يبقى داعش، فهو أفضل ورقة للعب بها. وطالما ظل الظلم الطائفي بالمعنى المطلق الذي يختزل كل ممارسات السلطة السياسية من التغيير الديمغرافي والتطهير الطائفي واستمرار معاناة مئات الاف في مخيمات النازحين وخراب المدن بفعل الحرب على داعش دون بصيص أمل في الأعمار، فالاحمق بامتياز من يظن أن نهاية لداعش ستحل عبر العمليات الأمنية ووعيد وتهديدات الكاظمي وتجديد الوجود الأمريكي مرة تحت عنوان مهمات قتالية وأخرى للتدريب والمشورة. أما المسألة الثالثة فإن الأمن والأمان ليس بمقدور الكاظمي تحقيقه لجماهير العراق، وسيبقى قتلة المتظاهرين خارج سور العدالة، وسيف المليشيات مسلطا على رقاب الجماهير والمجتمع.

 

إن تجربة حكومة الكاظمي سواء في إقصاء فرق الموت من حياة الجماهير او بإنهاء داعش لن يكون عبر جعجعات الصدر المحمية بمليشياته، او عبر دولة الكاظمي غير المرئية سوى على رقاب طالبي الحرية والخبز والعيش الكريم، والانتظار يعني إطالة عمر هذه المليشيات وتطاولاتها، بل عبر تنظيم حركة سياسية اجتماعية جماهيرية ضد إنعدام الأمن والأمان والمطالبة بحل المليشيات بجميع فصائلها بما فيها الحشد الشعبي وتقديم قتلة متظاهري انتفاضة أكتوبر الى المحاكم العلنية، والسعي لتسليح تلك الحركة بآفاق وسياسات انهاء الظلم الطائفي في العراق والإقرار على هوية تعرف البشر على أساس المواطنة والهوية الإنسانية.