ابراهيم مؤمن يكتب لـ(اليوم الثامن):
ضربات إرهابيّة في أمريكا وأوروبا
وإنهاك الدول العربيّة بعضها بعضًا كان يُبثُ ليلاً ونهارًا على شاشات التلفاز والقنوات الإخباريّة العالميّة، وكانتْ تشاهد بشغف وترقب كل هذا الشعوبُ الأجنبيّة وخاصة جيوشها المحتمل زحفها إلى أرض العروبة.
ولم تغفل هذه الشعوب أنّ أمريكا وأوروبا يمثّلون حِلْفًا لخوْض حروب باردة منذ زمن ضد آسيا بسبب ازدهار الأخيرة عن الأولى اقتصاديًا، بينما أوروبا تعاني حالة من الكساد والركود الاقتصاديّ.
ولذلك خرجتْ الثورات تندّد بسياسة حكامها في أمريكا بالخصوص، تلتها فرنسا ثمّ بلجيكا، بينما كانت حدّة المظاهرات خفيفة على أرض إنجلترا.
وهذه المظاهرات تقف حجر عثرة تجاه زحف القوات الأوروبيّة، وإن زحفتْ فسوف تضطرب بسبب الرفض الشعبيّ مما يتسبّب في هزيمتها من أول جولة حرب ضد آسيا.
وزادتْ حالات الاعتصام والمظاهرات والمسيرات اعتراضًا على سياسة أمريكا ودول أوروبا في أسلوب معالجتها للخروج من الأزمة الاقتصاديّة التي تعتقد أنظمتها أن دول آسيا هي السبب فيها، وبدأتْ هذه الشعوب تنادي بإسقاطها، حتى إنّ من يتابع الشعارات الثوريّة هناك كان يقول إنّ الشعوب الأوروبيّة والأمريكيّة متضامنة مع الشعوب العربيّة.
وظلّ الحال مستمر حتى وقعت الكارثة، أحداث إرهابيّة في أمريكا ومعظم أنحاء أوروبا.
فقد تمّ اختطاف بعض الطائرات التي تقوم برحلات داخليّة وتوجيهها لضرْب بنايات كمباني المخابرات ووزارات الدفاع ومراكز التجارة والمصارف في هذه الدول السابق ذكرها.
وكثُرت فيها حالات الدهس بالسيارات والطعن بالسكين، وقيام بعض الإرهابيين بارتداء أحزمة ناسفة والهجوم على بعض المنتجعات والقرى السياحيّة، لكنّ أكثرها كانت في الفنادق والملاهي الليليّة.
وما زالتْ هذه العمليّات تُبث علن على شاشات التلفاز ليل نهار، وتزداد الأحداث دموية يومًا بعد يوم.
ولقد كانت الضربة على مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكيّة خاصة بمنزلة فكّ شفرة هذه المعضلة وترياق الأسقام لأنفسهم المريضة، فعلموا وتعافوا وسارعتْ أقدامهم للدخول إلى المنطقة.
ولم يعرف أحدٌ على وجه الحقيقة مَن قام بهذه العمليّات ضد الولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفائها، ولكنّ الغالبية من تحليل الساسة العدول يؤكّدون أنّها ضربة ثأريّة من بعض الجماعات الإسلاميّة المتطرفة ردًا على مساندتها لإسرائيل في مخططها الذي أضاع المنطقة العربية بأثرها.
وبالفعل بعد الضربة ببضع ساعات خرج متحدث رسمي باسم هذه الجماعات ليُعلن أنّ على أمريكا الابتعاد عن الأراضي الإسلاميّة وعليها أن تكفَّ عن دعمها للمخطط الصهيونيّ الشيطانيّ الدمويّ.
وهناك كثير من المحللين شككوا في البيان، وطمست الحقيقة حتى الآن ولم يعرف أحد على وجه اليقين من وراء هذه التفجيرات.
وبمجرد حدوث الضربات انسحبَت جماعة من المعتصمين لا تلوي على شيء ومضت إلى منازلها، بينما كان جاك يحاول تثبيتهم حيث هم.
ولكن بعد إعلان الجماعة تركوا جميعهم الميادين بعد أن أدانوا الضربة بصراخ وبكاء على أهليهم وذويهم الذين فقدوهم إثر هذه الهجمات الشيطانيّة على حد قولهم.
ولم يجد جاك مفرًا من الإذعان للأمر الواقع، ليس لديه ما يقوله فانفضوا جميعًا من حوله، ووجد نفسه وحيدًا فريدًا فرحل في استسلام ويأس إلى مراصد ناسا.
وبعد الإعلان ثمّ انسحاب المعتصمين تعبّدَ الطريق للمخطط ليتّجه بجيوشه نحو الشرق.
وبذلك خسرَ العربُ والعالم الإسلاميّ الرفض الشعبيّ الأمريكيّ والأوروبيّ.
زحفتْ أمريكا وحلفاؤها نحو المنطقة سريعًا ردًا منها على الضربة الإسلاميّة في عملية لحفْظ السلام وتربية النفوس، وهذه هي الأسباب المعلنة وهي هي نفس الأسباب التي استندَ إليها جورج رامسفيلد في الحصول على شرعيّة دخوله إلى المنطقة العربيّة.
وتوالى إرسال قوّاتها وقوّات حلفائها للسيطرة على المنطقة برمتها.
انسلب فهمان من حرسه وخرج هائمًا على وجهه يمرّ على الأكواخ والجحور ويخاطب الناس كالمجنون بقوله: لا تخافوا، سأقتله، سأقتل إبليس، لن تقوم الحرب لو قُتل إبليس.
وظلّ يردّد كلماته كالمجنون، ولأنه شخصية هامة تبعه أحد الصحفيين وصوّره، وهبط الظلام وهو ما زال يهيم في الحارات والأزقة والجحور. جاء خبره إلى مهديّ فكلّف حرسه الشخصي بإحضاره.
ذهب الحرس إليه بينما هو يشاهده عبر القناة وهو يصرخ ويبكي ويتوّعد إبليس فبكى لبكائه.
تركّزتْ القوّات الأجنبيّة في المناطق الحيويّة من معابر ومسطحات مائيّة ومضايق وكذلك مناطق الحدود بين الدول العربيّة المتنازع عليها، ومن مناطق منابع الماء إلى روافدها تركّزتْ أوروبا هناك بحجة القضاء على حرب عربيّة شاملة بين المنطقة بعضها من بعض، لكن الغرض الأساسيّ هو ضرْب الاقتصاد الأسيويّ والتحكم في سير التجارة العالميّة.
وعلى الصعيد الآخر لم تسكت آسيا ولم تعبأ بقرارات الأمم المتحدة، فزحفتْ هي الأخرى نحو المنطقة وتمركزتْ أيضًاً في بعض الممرّات والمعابر والمضايق الحيوية.
ولم يكن تمركزها هذا وليد اليوم، فهي معدة مسبقًا خطة دفاع إستراتيجي في حال زحْف القوات الأمريكيّة وحلفائها إلى المنطقة العربيّة.
ومنذ بدْء دخول القوات الأجنبيّة تزايد عدد الوافدين إلى مصر من رجال الأعمال العرب ونظرائهم من الغرب.
وفدوا من أجل الحفاظ على دمائهم وأموالهم، تلك الأموال المعرّضة للنهب والسلب على إثر الفوضى العارمة التي سرطنت أنحاء المنطقة العربيّة وبعض الدول الأجنبيّة.
ففي بعض الأراضي الأجنبيّة التي تعرضت للضربات الأخيرة قامت شعوبها بالثورات، فخشي رجال الأعمال الكبار على مصانعهم وأموالهم فوفدوا إلى مصر التي أصبحت دار أمن، يقيمون مصانعهم ويضعون عملاتهم الأجنبيّة في مصارفها.
وشرعوا في بناء المصانع واستصلاح الأراضي وبناء ناطحات السحاب.
ولكي يحققوا ذلك اضطروا لبيع عملاتهم الأجنبيّة ليشتروا العملة المحليّة فضلا عن أنّ مهديّ منع تداول الدولار بين أيدي رجال الأعمال والمستثمرين.
وبدأ الجنيه المصريّ يتعافى شيئًا فشيئًا، وبمرور الوقت بدأ يرتفع، وعلى لسان أحد خبراء الاقتصاد قال: يبدو أنّ الجنيه المصريّ في الفترة القادمة سيصبح بنصف دولار.
ولقد تحوّل ظنّ مهديّ إلى يقين، وشعبه في طريقه للرخاء بعد الأحداث التالية.
في الحقيقة أنّ الصراع بدأ أول ما بدأ هناك، هناك في تايون منذ نحو سبع سنوات تقريبًا عندما دخلت القوات الأمريكيّة ردًا على الرفض المتكرر من الصين بعدم تعويم اليوان، وكان صراعًا يأخذ محمل الهزل، أمَا وقد تمرّكزتْ الكتلتين في المنطقة العربيّة بات الصراع فيها يأخذ محمل الجد.
وعلى أثره وجّهتْ الصينُ أسلحتها النوويّة إلى مناطق تمركز القوات الأمريكيّة هناك.
والآن بدأ الصراع الغربيّ الأسيويّ في المناطق الإستراتيجيّة في سوريا واليمن وغيرها من المناطق الهامة كالمعابر والمضايق والقنوات فضلاً عن هذا الصراع القديم في تايوان.
وبالنسبة لقناة السويس فخرجتْ من حسابات الكتلتين وذلك بسبب تماسك البني الداخليّة لها تماسكًا متينًا بفضل القائد مهديّ والقوات المسلحة التي ظهرتْ معادنها الثمينة حين تمّ تجميد مرتباتهم لمدة ثلاثة أعوام. وللأسف لم يمنع مهديّ أيّ سفن حربيّة عبر قناة السويس كي لا ينقض الاتفاقات الدوليّة من جهة ومن جهة أخرى لا يجعل دولته عرْضة للهجوم بسبب عدم توفير الدعم اللوجستي لسفنهم الحربيّة.
وانقسمَ العالم آنذاك إلى كتلتين، أمريكا وحلفائها من الغرب ومن جهة أخرى روسيا والصين وحلفائهما.
وتحوّلتْ الجيوش العربيّة من حرّيتها إلى تبعيتها للاستعمار الجديد، وذاقتْ الشعوب مرارة ظلميْن، ظلم الحكام العرب العملاء آنذاك وظلم رقّ الاستعمار.
وطفح على الأراضي العربيّة كثير من المنظمات الإرهابيّة والعصابات، وعاد عصر الفتوات حتى أنّهم باتوا يرتدون اللاسات والجلابيب ويحملون النبابيت.
ودُقّتْ طبول الحرب، ولم تكن بدايتها على أرض العروبة، بل بدأتْ في تايوان كما ذكرت سالفًا، تبادل إطلاق النيران بين الصين وأمريكا من أجل استعادة تايوان.
تبادل الاثنان الأسلحة الكيماويّة والجرثوميّة وأكثر المتضرّرين من هذه الهجمات مدنيي تايوان والصين.
ولأنّ العالم مقبلٌ على حرْبٍ نوويّة في منطقة الشرق الأوسط، ولأنّ وجود أمريكا في تايوان احتلال صارخ، لم تكتفِ الصين باستخدام الأسلحة الكيماويّة والجرثوميّة بل هددت بالنوويّ مباشرة حيث قالتْ على وسائل إعلامها أنّه لا مفرّ من استخدام الرؤوس النوويّة لتحرير تايوان، ثمّ تابعتْ كلامها: أمّا الحرب الدائرة الآن في منطقة الشرق الأوسط فلن تكون الصين البادئة في استخدام الصواريخ النوويّة العابرة للقارات، وإذا استخدمتها أمريكا فلا بديل لنا إلّا ضرْب المنطقة كلّها بترسانة الأسلحة النوويّة التي تمتلكها الصين وحلفاؤها.
وهذا موقف طبعيّ من الصين، ففي المطامع يغلب على القوى الطامعة في التورتة طبْع الانتقادات واستخدام الأسلحة التقليدية والتلويح من بعيد بإطلاق الرؤوس النوويّة، لكن عندما يتعلق الأمر بأخذ قطعة من أرضين أحدهما فليس لدى المحتل إلّا التهديد المباشر باستخدام النوويّ.
وعلى أرض سوريا تبادل إطلاق النيران بين القوات الغربيّة الأمريكيّة المتمركزة في أحد جهاتها وهي منطقة الشمال وبين الروس والمتمركزة في الجنوب هي وحلفائها.
كذلك بدأ الصراع الحربيّ وسقوط آلاف القتلى والجرحى حول المعابر والمضايق التي تؤمّن الدعم اللوجستيّ للنفط والغاز والسفن الحربيّة المحملة.
وقد بدا واضحًَا من خلال المعارك أنّ كفّة الأمريكان وحلفائها أرجح قليلاً.
ونتيجة ذلك، تزايد عدد الوافدين أكثر وأكثر من كلّ أرض إلى مصر هروبًا من الحرب وتداعياتها مما كان له عظيم الأثر في زيادة الاحتياط الأجنبيّ من العملة الأجنبيّة الدولاريّة وغيرها إثر قدومهم بأموالهم وإنفاقها، ونتيجة لذلك لم يتوانَ البنك المركزيّ المصريّ في طبع النقود المحليّة ليل نهار التي تستقرّ في جيوب الأجانب بعد تخلصهم من العملة الأجنبيّة التي لديهم.
والغلاء ارتفع عالميًا بطريقة لم تحدث منذ الحرب العالميّة الثانية 1945، ولقد حققتْ سياسة الرئيس مهديّ ارتفاع الناتج المحليّ بقيمة لم يشهدها الاقتصاد المصريّ من قبل.
كما أنّه جنّب مصر بذكائه وقوّته الخوض أو المشاركة في الحرب العالميّة الثالثة.
وأنشأ حضارة وجد فيها المواطن المصريّ العزة والكرامة والعدل، حضارة من أنفاق الثري إلى قمم الشموس.
وبدأتْ أنفاق المواطنين المصريّين تُردم شيئًا فشيئًا، والخيام الورقيّة والصوفيّة تتحوّل إلى أطلال رغم أنّ القليل من الشعب بكى على هذه الأطلال الورقيّة والصوفيّة، لأنّهم أصلاء وهؤلاء هم أنفس معادن الناس.
وبدأتْ المنازل تُشيّد، وتمّ استيراد الكثير من الملابس الحريريّة والقطنيّة الفاخرة من الخارج التي أقبل عليها المصريون يرتدونها داعيين لفهمان ومهديّ بطول البقاء.