خير الله خير الله يكتب:

نقطة الانطلاق في اليمن

أنسَت الحرب الأوكرانيّة مآسيَ كثيرة في العالم، من بينها مأساة لبنان وسوريا والعراق. هذه مآس تسبب بها النظام في ”الجمهوريّة الإسلاميّة“ في إيران، وهو نظام ليس لديه ما يصدّره سوى الميليشيات المذهبيّة التي انتشرت في كلّ أنحاء المنطقة.

أخذ النظام الإيراني على عاتقه تغيير طبيعة المنطقة العربيّة ومجتمعاتها، أكان ذلك في المشرق أم في الخليج، حيث بات له موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة. اعتمد في ذلك على الحوثيين.

    استطاعت إيران، في ضوء جهود استمرّت سنوات طويلة، إيجاد قاعدة صواريخ ومسيّرات في شمال اليمن. كان يمكن أن يكون اليمن كلّه تحت السيطرة الإيرانيّة لولا الحرب الدفاعيّة التي شنها التحالف العربي في مثل هذه الأيام من عام 2015 رداً على الاستفزازات الحوثيّة تحت عنوان ”عاصفة الحزم“.

    لولا تلك الحرب الدفاعيّة، لما انكفأ الحوثيون الذين يسمّون أنفسهم ”جماعة أنصار الله“ عن مناطق عدّة، من بينها عدن، عاصمة الجنوب وميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بمضيق باب المندب، أي بحركة الملاحة في البحر الأحمر وبقناة السويس.

    يمكن الدخول في جدل طويل في شأن ما حققته ”عاصفة الحزم“ وما لم تحقّقه، وفي تفنيد أخطاء كثيرة ارتُكبت، بما في ذلك الخلط في مرحلة معيّنة بين علي عبد الله صالح والحوثيين اللذين تحالفا ظاهراً، لكن كانت هناك خلافات كبيرة في العمق بينهما. أدّت هذه الخلافات الى اغتيال الحوثيين الرئيس السابق في الرابع من كانون الأوّل (ديسمبر) 2017.

    لكنّ ما لا يمكن تجاهله أن تلك الحرب كانت دفاعيّة، وجاءت رداً على الاستفزازات الحوثيّة في مرحلة ما بعد وضع اليد الإيرانيّة على صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) 2014.

    مرّت سبع سنوات على ”عاصفة الحزم“. تبيّن أن نقطة الضعف الأولى كانت في ”الشرعيّة“، في الرئيس الموقت عبد ربّه منصور هادي ونائبه علي محسن صالح الأحمر، قريب علي عبد الله صالح والشريك في السلطة طوال سنوات، وذلك قبل انقلابه على الرئيس الراحل في شباط (فبراير) 2011. لم تستطع هذه ”الشرعيّة“ تحقيق أي انتصار عسكري في أيّ مكان من اليمن، وذلك منذ باشر الحوثيون زحفهم في اتجاه صنعاء، عبر محافظة عمران، صيف عام 2014.

    ما حدث أخيراً، بعد تطهير قوات العمالقة محافظة شبوة من الحوثيين، وتحقيق هذه القوات اختراقات في مأرب، مع ما يعنيه ذلك من كسر للحصار على مدينة مأرب نفسها، يدعو الى طرح تساؤلات.

    من بين هذه التساؤلات: لماذا نجحت قوات العمالقة، وهي في معظمها جنوبيّة، ولماذا فشل جيش ”الشرعيّة“ الذي صُرفت عليه أموال طائلة تقدر بمئات ملايين الدولارات، وثمة من يقول مليارات الدولارات، كما زوّد آليات عسكرية كان ممكناً أن تساعده في مواجهة الحوثيين بدل التركيز على قوى يمنيّة أخرى، خصوصاً في عدن؟

    ما حققته قوات العمالقة فضيحة ليس بعدها فضيحة لـ“الشرعية“ اليمنية التي يتبيّن يومياً أن لا علاقة بأي نوع من الشرعيات.

    يفرض الفشل المكرّر لـ“الشرعيّة“ إعادة النظر في تشكيلها. ما الفائدة من رئيس موقت، كان مفترضاً تغييره بعد عامين، أي عام 2014، عندما لا يكون هذا الرئيس قادراً على الذهاب الى مسقط رأسه في محافظة أبين؟ ما الفائدة من جيش جرار لم يستغل أي فرصة سنحت له من أجل تغيير الواقع الذي فرضه الحوثيون على الأرض، أكان ذلك في تعز أم في مأرب أم في الجوف الخ…؟

    هذا غيض من فيض المآخذ على ”شرعيّة“ لا فائدة تُذكر منها، ”شرعيّة“ غير قادرة على ممارسة مهماتها من الأرض اليمنيّة. إنّها ”شرعيّة“ يسيطر عليها الإخوان المسلمون (جماعة حزب الإصلاح اليمني)، تمتلك قنوات اتصال بالحوثيين. هي تناسبهم وهم يناسبونها.

    غابت المأساة اليمنيّة، وهي مأساة شعب مقهور يعاني من الفقر والجوع والمرض، عن الشاشة العربيّة والإقليمية. غابت هذه المأساة في ضوء الحرب الأوكرانيّة. ما لا يمكن أن يغيب هو الحاجة الى نقطة انطلاق تستكمل ما تحقّق عسكرياً بفضل التحالف العربي منذ آذار (مارس) 2015.

    تبدو الحاجة، أكثر من أي وقت، الى رؤية سياسية تواكب إعادة تشكيل ”الشرعيّة“ سياسياً وعسكرياً. من الظلم بقاء الشعب اليمني أسير الحوثيين، الذين لا يمتلكون ما يروّجون له وما يفرضونه على الأرض غير الجهل والبؤس من جهة… وأسير ”شرعيّة“ عاجزة عن توفير أي أمل بكسر الحلقة المقفلة التي يدور فيها اليمن من جهة أخرى.

      يدور اليمن في حلقة مقفلة منذ سنوات عدّة، بعدما نفّذ الإخوان المسلمون انقلابهم على علي عبد الله صالح من دون إدراك أن الحوثيين سيتحولون الى الطرف المستفيد الأوّل والأخير من هذا الانقلاب. تحتاج هذه الحلقة المقفلة الى من يكسرها لا أكثر ولا أقلّ. نقطة الانطلاق معروفة ولا يمكن أن تكون بغير إعادة تشكيل ”الشرعيّة“!