سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):

معاني الديمقراطية والازدهار في البرلمان العراقي وارقام البنك الدولي 

كم نحن محظوظون لأنه ولدنا في جغرافية سميت بالعراق، حيث أرقام البنك الدولي تشير الى ان العراق سجل نموا اقتصاديا حسب الأرقام التي أعلنها ٨.٩٪ لعام ٢٠٢٢ وبلغ نصيب الفرد العراقي من الناتج القومي ٦.٣٪. وهذه الارقام هي الاعلى في المنطقة حسب تصريحات البنك الدولي، وفي مقدمتها  السعودية.  وبموازاة ذلك يسجل البرلمان الذي يرأسه الحلبوسي أعظم ظاهرة ديمقراطية في تاريخ ديمقراطيات البرلمانية في العالم، حيث صوت على منع باسم الخشان وهو النائب عن محافظة المثنى للترشيح الى أية لجان برلمانية الى جانب منعه من المداخلات خلال الفصل التشريعي.

ألا يحق لنا ان نفخر بهذا الرفاه والازدهار والتمتع بهذه الديمقراطية التي  نحسد عليها على الأقل مقارنة مع دول الجوار!

 إن المؤسسات المالية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصندوق التنمية الامريكي والبنك الأوربي وغيرها  ترصد أرقام الفقر والبطالة والناتج المحلي والنمو الاقتصادي في الدول والبلدان من أجل معرفة هل ينسجم أداء اقتصادها أي تلك البلدان مع متطلبات الإنتاج الرأسمالي العالمي واستقرار الأسواق ونموها، وهي تعمل كمجسات لمعرفة المخاطر والتحديات التي تقف أمام دوران عجلة ذلك الإنتاج والسعي في نهاية المطاف على إزالتها واحتوائها مثل أداء الحكومات ونشوب الاضطرابات والفوضى والهيجانات الجماهيرية والاحتجاجات العمالية وانتهاءً بالثورات. أي بعبارة أخرى ان عمل تلك المؤسسات هي بمثابة صمام أمان لحماية الاقتصاد الرأسمالي العالمي وسوقه العالمية. ولعبت تلك المؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية دورا كبيرا سواءً في تنصيب حكومات أو افقار البلدان التي جاءت بتلك الحكومات من أجل تمرير مشاريعها الاقتصادية والسياسية. وعقب أي تحول سياسي في اي بلد او دولة بفعل مؤامرات المؤسسات المخابراتية ودعمها للانقلابات العسكرية أو ما سميت بالثورات الملونة، نجد في اليوم الثاني حضور ممثلي وموظفي تلك المؤسستين على طاولة المفاوضات مع الحكومات الجديدة التي جاءت عبر تلك الانقلابات. والأمثلة كثيرة على ذلك مثل تشيلي والأرجنتين والبرازيل وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وإندونيسيا والفلبين وبولندا واوكرانيا وبلغاريا...والقائمة تطول وانتهاءً بالعراق الذي تم غزوه واحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي اليوم الثاني كانت تلك المؤسستان حاضرتين خلف طاولة المحادثات مع الطبقة الحاكمة الجديدة التي بصمت بالعشرة واقسمت أغلظ الأيمان بأن العراق سيمضي على خطى مدرسة شيكاغو الاقتصادية ومؤسسها ميلتون فريدمان طالما يتم تأهيلهم للسلطة وحمايتهم. 

ما نريد ان نقوله ان ارقام البنك الدولي التي تشيد بالاقتصاد العراقي ودور الحكومة الحالية التي يتفاخر وزير ماليتها عبد الامير علاوي بها، تكشف عن حقيقة واحدة تهم النظام الرأسمالي العالمي، وهي إن العراق ماضٍ على طريق بما يدعم وينسجم مع الاقتصاد الرأسمالي العالمي ولا يشكل خطر على عدم استقراره. وطبعا تلك الأرقام التي يعلنها البنك الدولي تخفي في طياتها حجم البطالة والفقر وحصول الفرد على ما يكفيه من سد حاجاته المادية والخدمات الاجتماعية والسكن والصحة والمياه النظيفة الصالحة للشرب. وايضا تخفي أن نمو الناتج المحلي العراقي وبغض النظر عن تقسيمه العادل على المواطنين، هو بسبب تصاعد أسعار النفط بعد انتهاء اغلاقات وباء كورونا والطلب العالمي عليها إلى جانب اشتعال الحرب في أوكرانيا. أي أن نمو الناتج  المحلي ليس مرده تطور الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة باستثناء صناعة النفط وتصديره. ويعني من الجانب الآخر  لا تغيير في سوق العمل أو إيجاد وخلق فرص عمل ووظائف، الا ان ما يهم الاقتصاد الرأسمالي العالمي كما ذكرنا في مناسبات أخرى هو صناعة النفط في التقسيم الإنتاج الرأسمالي العالمي، وما عدا ذلك فليذهب العراق إلى الجحيم. وهذا يكشف ايضا عدم اكتراث الاقطاب الرأسمالية العالمية لما يدور في العراق من عمليات سلب ونهب، التي تدور رحاها على قدم وساق منذ الغزو والاحتلال.

وحسب أرقام وزارة التخطيط أعلنت في أيلول من عام ٢٠٢١ ان ٣١  في المئة من الشعب العراقي يعيشون تحت خط الفقر وان نسبة البطالة بلغت ٤٠٪ على الرغم أن الوزارة لا تملك أية استبيانات،  في حين صرح مظهر صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء في تموز من نفس العام أن معدل البطالة انخفض إلى ٢٢٪ بينما انخفض معدل الفقر إلى ٢٥ ٪  ولم يستند في تصريحاته هو الآخر إلى أية معطيات مادية، ومع هذا فإن هذه الأرقام كانت قبل تنفيذ بنود الورقة البيضاء الملزمة بتنفيذها من قبل الحكومة العراقية، وهي ورقة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. طبعا ناهيك أن بنود الورقة البيضاء لم تنفذ حاليا سوى فقرة واحدة منها وهي تخفيض قيمة العملة المحلية، والتي زادت من ارتفاع الأسعار وانخفضت القدرة الشرائية لراتب العامل والموظف بنسبة أكثر من ٢٥ في المئة. وهذا يعني دفع المزيد من المواطنين الى خط الفقر أو تحت  خط الفقر. وإذا ما نفذت جميع فقرات الورقة البيضاء التي وضعت على أساسها الموازنات السنوية وهي تنتظر تمرير البرلمان لها، وهي فرض الضرائب على رواتب ومعاشات العمال والموظفين بنسبة تصل إلى ٢٠ في المائة ورفع سعر المحروقات ورفع الضرائب على الاتصالات فإن مساحة الفقر تزداد وتجر أقسام اجتماعية أخرى إليها. 

وعليه أن حصة الفرد من الناتج القومي و من النمو الاقتصادي الذي يشيد به البنك الدولي ويتفاخر به علاوي و يمشي مختالا ويبشرنا بالتقشف وشد الأحزمة على البطون في عام ٢٠٢٣ تتحطم أمام ارقام نفس المؤسسات. لقد بلغ إجمالي تصدير النفط للأربعة الاشهر الاولى من هذا العام حسب شركة سومو ٣٨.٥٩ مليار دولار، ولم تنعكس هذه الأرقام على مستوى معيشة الفرد الذي زاد من حصته اكثر من ٦٪ حسب البنك الدولي.  هذه الارقام تبين بشكل مخادع مساواة حصة الفرد العامل والموظف الذي خفض من قدرته الشرائية بسبب تخفيض قيمة العملة المحلية مع  حصة عضو البرلمان الذي يتقاضى على أقل تقدير شهريا خمسة مليون دينار مع العاطل عن العمل والعامل والموظف. ويتساوى ايضا مع حصة المالكي وقيس الخزعلي والعامري الحلبوسي والصدر من الناتج القومي للفرد. 

وتبين تمويه أرقام البنك الدولي عن التعمية على الحقيقة، وهي سياسة الاقتصاد الرأسمالي وتبغي من ورائها اخفاء الظلم الاقتصادي والاجتماعي الواقع على الأغلبية المطلقة من العمال والموظفين والعاطلين عن العمل.  المهم بالتطبيل لهذه الأرقام هو الإشادة بالأداء الاقتصادي للحكومة الكاظمي كي تمضي قدما الى الأمام في تنفيذ برامج سياسة الليبرالية الجديدة التي تعني بمجملها تنصل الدولة من مسؤوليتها تجاه المجتمع في الميدان الصحي والتعليمي والخدمات والكهرباء والتوظيف. وعلى الصعيد السياسي إيجاد منظومة حكم بإمكانها الحفاظ على مكانة العراق في هذه العجلة الرأسمالية. 

ما يدور في البرلمان العراقي يتلائم مع هذا النوع من الاقتصاد وهذه الارقام التي يعلنها البنك الدولي، طبقة سياسية فاسدة ولها القدرة على قمع أي صوت معارض دون تردد، وفرض الإذعان والخنوع على العمال والموظفين وعموم الجماهير المسحوقة في العراق، والتي عشنا فصولها الدموية ايام انتفاضة اكتوبر. البرلمان في العراق يعني توزيع الأدوار بقدر توزيع الامتيازات. وهذا يفسر دون اي عناء ولا حاجة الى تحليل عميق لماذا الجميع في الكتل السياسية ترفض البقاء في المعارضة، لأن المعارضة لا تجبي الامتيازات وتكون بعيد عن بؤر السرقة والنهب،  وعندما كتبنا في عام ٢٠١٦ بالرد على المنافحين والمدافعين عن البرلمان العراقي، عندما اقتحم المتظاهرون  المنطقة الخضراء ووصلوا الى مقر البرلمان عبثوا بأثاثه ، تعالت الصيحات والزعيق والتنديد بالمتظاهرين لانهم هتكوا مقدسات الوطن والدستور وممثلي الشعب، و نعتوهم بالخونة والمرتزقة  والغوغاء...الخ. في حين عندما كان البرلمان يصوغ القرارات وسن القوانين في رفع امتيازات اعضائه وتنصيب حكومات اللصوص بنكهات طائفية وقومية وتمرير أكثر الشخصيات الفاسدة لتبوء المناصب، فالبرلمان لم ينتهك المقدسات (الوطن) وكانوا مفعمين  بالوطنية إلى درجة يصدرونها الى دول المنطقة، وولهانين بالمعزوفة الموسيقية  لنشيد (موطني) ومخلصين ومنقذين للشعب.

 ما يحدث اليوم لباسم الخشان هو امتداد لذلك البرلمان الذي لم ولن تحدث أي انتخابات تغيير فيه. والجدير بالذكر أن حرمان الخشان من الدخول في اللجان البرلمانية والمداخلات والحديث جاء بقرار من الكتلة الصدرية الذين فازوا بالأغلبية البرلمانية ويطرحون حكومة اغلبية، فلنتخيل ماذا سيكون حال الحريات والحقوق في عراق يقوده الصدر-الحلبوسي لحكومة اغلبية بنقاء وطني بنسبة ٩٩٪ مثل أرقام البنك الدولي.  والسبب في قرار البرلمان هو أن الخشان يوجه بشكل منظم انتقادات لاذعة لمقتدى الصدر ويكشف عن ازدواجيته وتناقضاته بين تصريحاته ومواقفه العملية. وفي عرف القوى الإسلامية من ينتهك  مقدسات (السيد) فأما الله يعجل من فرجه ويرسل له مليشيات السيد لتصفيته جسديا كما هو في الحالة اللبنانية ونقصد حسن نصر الله أو الحالة العراقية (مقتدى الصدر) أو الحالة الحوثية والإيرانية. فا(السيد) له حق النقد والنقض وحق تشكيل المليشيات، وحق الاخيرة بتوجيه مليشياته في السرقة والنهب والقتل ولا صوت يعلو فوق صوت (السيد) وصوت ميليشاته.

واخيرا ان اشادة البنك الدولي بحكومة الكاظمي والاداء الاقتصادي يتناسب مع برلمان يقوده الحلبوسي ويوجه الصدر، والمشكلة ليس لا في الحلبوسي ولا في الصدر، بل في شخصيات مثل الخشان الذي قرر أن يغرق بوهم التغيير عن طريق العملية السياسية والبرلمان، وساهم بنشر تلك الأوهام بدرجات مختلفة في المجتمع الذي تقدم خطوات وقرر بسحب الشرعية التي منحها للعملية السياسية عبر مقاطعتها بنسبة أكثر من ٨٢٪.